لرؤية هذه الرسالة كملف اضغط هنا

ألقى محافظ بنك إسرائيل البروفيسور أمير يارون كلمة في افتتاح جلسة الحكومة بشأن ميزانية الدولة لعام 2025. فيما يلي نص الكلمة التي ألقاها في الجلسة:

تشكل حرب السيوف الحديدية المستمرة منذ أكثر من عام عبئاً ثقيلاً على اقتصاد إسرائيل وعلى ميزانية الدولة. تتجلى تأثيرات الحرب في الأضرار التي لحقت بمخرجات النظام الاقتصادي - ويرجع ذلك في الاساس إلى الأضرار التي لحقت بعرض العمل، والزيادة الكبيرة في الإنفاق الحكومي والدين العام، وزيادة تقدير الأسواق للمخاطر في الاقتصاد الإسرائيلي. يضع مقترح الميزانية المطروح اليوم لموافقة الحكومة إطاراً مسؤولاً مصمماً للتعامل مع التحديات التي فرضتها الحرب وتكاليفها على الدولة. وذلك بما يتوافق مع الافتراضات المتعلقة بالنفقات الأمنية المقدمة في المقترح.

دخلت دولة إسرائيل حرب السيوف الحديدية بوضع اقتصادي متين نتيجة سنوات عديدة من التطور الاقتصادي الإيجابي وإدارة سياسات مالية ونقدية مسؤولة. في السنوات التي سبقت الحرب، تعافى الاقتصاد بسرعة بعد وباء كورونا، وارتفع مستوى الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022 متجاوزاً ما كان عليه قبل الوباء، وانخفض معدل البطالة إلى مستويات قياسية تاريخية. هذا التطور دعمه انتعاش الاقتصاد العالمي والزيادة السريعة في الطلب في العالم وخاصة على الخدمات التكنولوجية، مما ساهم في نمو قطاع التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل. انخفضت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بسرعة على خلفية السياسة المالية المسؤولة والنمو الجيد. على الرغم من البيئة الجيوسياسية الصعبة، فقد اكتسب الاقتصاد الإسرائيلي ثقة الأسواق على مر السنين بفضل قدرته المثبتة منذ عام 2003 على التجاوز السريع للأزمات والعودة بسرعة إلى النشاط المنتظم والنمو السريع والسياسة المالية المسؤولة.

لا يزال مستوى الناتج المحلي الإجمالي اليوم، وكذلك نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، أقل بكثير مما كان عليه قبل الحرب. وذلك واضح جداً عند فحص ناتج الأعمال الذي يستثني الخدمة العامة من الحساب، وخاصة احتساب الناتج لأنشطة جنود الاحتياط في الجيش في هذه الفترة. يُعزى انخفاض مستوى الناتج المحلي الإجمالي بشكل رئيسي لنقص اليد العاملة والذي يظهر من انخفاض معدل البطالة وارتفاع معدل الوظائف الشاغرة في النظام الاقتصادي وزيادة الأجور في قطاع الأعمال. هذا النقص ملحوظ جداً في قطاع البناء حيث تم إنهاء عمل عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين دون وجود بديل حقيقي. إلى جانب ذلك، فهو يعكس أيضاً غياب جنود الاحتياط، وبعض الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من منطقة الشمال، والشباب الذين تأخر دخولهم سوق العمل بسبب تمديد خدمتهم العسكرية، وتغيب مصابي الحرب عن أماكن عملهم.

تتسبب قيود العرض في النظام الاقتصادي إلى جانب ارتفاع نفقات الحكومة في زيادة التضخم في الاقتصاد. بعد تراجع التضخم إلى النطاق المستهدف بداية العام، تسببت ضغوط الطلب في ارتفاعه مجدداً بما يتجاوز الحد الأعلى للهدف، ومن المتوقع بحسب تقديرات المتنبئين في سوق رأس المال أن يستمر التضخم في الارتفاع إلى أكثر من 4 بالمئة في بداية عام 2025. تتماشى اتجاهات التضخم وارتفاع علاوة المخاطر للاقتصاد الإسرائيلي مع السياسة النقدية التقييدية. وكلما زادت ميزانية الحكومة من ضغوط الطلب على النظام الاقتصادي، وكلما زاد ارتفاع العجز من علاوة المخاطر للاقتصاد، كلما زاد الضغط نحو رفع أسعار الفائدة لجميع النطاقات.

يقدم إطار مقترح الميزانية الذي يتم تقديمه للحكومة اليوم استجابة نوعية وكمية مناسبة للتحدي الذي نواجهه. نحن في مرحلة من المهم جداً فيها إثبات المصداقية المالية لإسرائيل على خلفية التكاليف المرتفعة للحرب، والزيادة الكبيرة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، والزيادات المتكررة في إطار الميزانية والتوقع بأن تواصل نفقات الدفاع وبعض النفقات المدنية ارتفاعها بعد الحرب. أضف على ذلك الزيادة الكبيرة في نفقات الفوائد بسبب زيادة الديون وأسعار الفائدة التي يتعين على الحكومة دفعها. بلغ العجز في الميزانية العامة للدولة لعام 2023 نحو 4.1 بالمئة، مقارنة بالهدف الأصلي عند إقرارها وهو 0.9 بالمئة. وارتفع العجز لعام 2024 من 0.9% من الناتج المحلي الإجمالي في الميزانية الأصلية إلى 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي في الميزانية المعدلة التي تمت الموافقة عليها في أيار، ومن المتوقع أن يرتفع الآن إلى حوالي 7.5% من الناتج المحلي الإجمالي.

على خلفية التطورات منذ بداية الحرب، فإن الموافقة على ميزانية 2025 والتي تحدد هدف عجز مسؤول، إلى جانب الإجراءات المستمرة لتقليص العجز إلى الحد الذي يغطي تكاليف الحرب وميزانية الدفاع المطلوبة، هي حاجة ملحة. إن الإطار المقترح ــ عجز بنسبة 4% من الناتج المحلي الإجمالي استناداً إلى سيناريو أمني موثوق، إلى جانب توفير استجابة للتطورات الأمنية الأكثر خطورة ــ لن يسمح سوى بزيادة معتدلة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025، وانخفاض معتدل ولكن مستمر بعدها. من الضروري أن تمنح الحكومة الجمهور والأسواق الثقة بأنها تعرف كيفية الاقتراب من الهدف الذي وضعته وزارة المالية من خلال تدابير موثوقة ودائمة. وذلك أمر مهم جداً لأن هناك مخاطر لا يمكن تجاهلها تهدد مسار نمو الاقتصاد في السنوات المقبلة بسبب تأثير الحرب على علاوة المخاطرة في النظام الاقتصادي، وبسبب تحويل الموارد لأغراض أمنية.

لا شك بأن التعديلات المطلوبة على الميزانية لتحقيق هدف العجز المقترح مؤلمة وتضع عبئاً ثقيلاً على كاهل الجمهور. إلى جانب هذا، من المهم أن نتذكر التعبير الاقتصادي بأنه "لا توجد مكاسب مجانية": طالما لم يتم إجراء التعديلات اللازمة، فإن الجمهور سيعاني من ارتفاع الأسعار وارتفاع أسعار الفائدة، وعند نقطة معينة قد تفقد الأسواق الثقة في النظام الاقتصادي. لهذا السبب، فإن وضع إطار مسؤول للميزانية، كما هو مقترح اليوم، مع إجراء تعديلات على الميزانية بشكل يسمح باستجابة موثوقة ومستدامة لاحتياجات الأمن والحرب هو أمر ضروري.

هناك مسألة أخرى يجب وضعها في الاعتبار عند مناقشة الميزانية، وهي أن المقترح الحالي لا يتضمن حتى الآن استنتاجات لجنة مراجعة ميزانية الدفاع برئاسة البروفيسور "ناجل". ورغم أن اللجنة تؤكد على أنه في حال أوصت بزيادة أخرى في ميزانية الدفاع المتعددة السنوات، فإنها ستوصي أيضًا بمصادر لتمويلها، إلا أن نطاق هذه المصادر محدود. لهذا السبب، من المهم ألا تتم في مناقشات اليوم الموافقة على أي مقترحات جديدة تزيد من العجز، حتى لو وافقت الحكومة على إجراءات تعويضية مثل زيادة الضرائب بما يتجاوز ما يتضمنه الاقتراح الحالي. وذلك لأن هناك احتمالاً معقولاً بأننا سنحتاج إلى هذه المصادر خلال مناقشة ميزانية الدفاع المتعددة السنوات، وإذا استخدمناها الآن، فسيزيد ذلك من صعوبة تقديم استجابة كافية للاحتياجات الإضافية التي قد تطرحها اللجنة لاحقاً.

ركزت في كلمتي بشكل أساسي على الميزانية المقترحة، والتي من المفترض الموافقة عليها. إلى جانب ذلك، من المهم أن تدعم التحركات التي تتم في إطار الميزانية النمو قدر الإمكان. ومن المهم ألا تضر الميزانية بالحوافز الحالية لدخول سوق العمل بل وزيادة حوافز التشغيل، خاصة لدى فئات السكان التي تتميز بانخفاض معدل العمالة، وذلك من خلال إكسابها المهارات المطلوبة للاندماج في سوق العمل أيضاً؛ وأن تركز ميزانية نظام التعليم والتعليم العالي على تحسين مهارات التوظيف لدى الطلاب؛ وأن تركز ميزانيات البنية التحتية والمواصلات على الاستجابة للقضايا الأساسية التي تساهم بشكل أكبر في إنتاجية الاقتصاد الإسرائيلي. من حيث الإيرادات، فمن المستحسن طرح تدابير تعمل على إزالة التأثيرات الخارجية السلبية لزيادة الكفاءة. على خلفية التعديلات المقترحة ونطاقها والعبء الواقع على الجمهور، من المهم أن توافق الحكومة أيضًا على اقتراح إغلاق خمس وزارات حكومية لتحقيق الكفاءة وتوزيع العبء.