الأسواق المالية
بشكل عام، من المتوقع أن تسبب الأزمة العالمية ركودًا كبيرًا في وتيرة ارتفاع الأسعار في السنة – السنتين القادمتين. هذا التأثير على المؤشرات القريبة سيكون ضعيفًا نسبيًا ولكنه سيتعزز في وقت لاحق.
العوامل الأساسية للركود المتوقع في الأسعار هي انخفاض أسعار الطاقة والغذاء في العالم، والذي بدأ بالفعل، والانخفاض المتوقع في الطلب المحلي. انخفاض أسعار الطاقة والغذاء في العالم يؤدّي إلى خفض تكاليف الإنتاج وبالتالي تراجع في ارتفاع الأسعار. الانخفاض في قيمة الأصول المالية للجمهور (أسعار الأسهم وسندات الدين وربما كذلك أسعار الشقق لاحقًا) يؤدّي إلى خفض الطلب على الاستهلاك الشخصي كما من المتوقع انخفاض الطلب على التصدير وربما الاستثمار.
عامل إضافي من المتوقع أن يؤثر على انحسار الطلب (خصوصًا استثمار الشركات) هو عدم اليقين والخشية من الإفلاس (للشركات) والذي ينعكس، من بين أمور أخرى، في صعوبة حصول قسم من المشغلين على الائتمان. هذه الصعوبة يمكن أن تنعكس بانخفاض حجم الاستثمارات والتصدير، وانخفاض الطلب على العمال، وارتفاع البطالة، وانخفاض معدّل ارتفاع الأجر، والتي من جانبها ستؤثر أيضا على الطلب على الاستهلاك.
بنظرة عامّة فإن البنوك موجودة في أعلى مستوى من حيث حصانتها وقدرتها على امتصاص الصدمات، كذلك تعمل البنوك في إسرائيل بحذر شديد مع زيادة احتياطي السيولة لديها. الصدمات التي تعرض لها الجهاز المصرفي في إسرائيل حتى الآن لم تكن جدية من هذه الناحية.
يعمل بنك إسرائيل بشكل متواصل لتعزيز قوّة الجهاز المصرفي. إضافةً إلى النشاطات الدورية التي تتم بشكل روتيني لتقوية أنظمة السيطرة والإدارة والرقابة في البنوك، عمل بنك إسرائيل في السنتين الأخيرتين على زيادة قاعدة رأس المال للبنوك بشكل كبير، والتي تعتبر كوسادة أمان لامتصاص الصدمات والخسائر غير المتوقعة، مثل الأزمات المالية.
بالتطرق إلى الأزمة العالمية، يجري بنك إسرائيل تقديرات دورية بشأن وضع كل بنك ووضع الجهاز المصرفي، وذلك بالاعتماد على المعطيات والمعلومات التي يجمعها ويطلبها من البنوك. يقوم بنك إسرائيل بتوجيه البنوك بشأن الخطوات المطلوبة منها، وكذلك توجيه الجهاز ككل وتوجيه بنوك معنية، ويتابع عن قرب التقديرات والخطوات التي يتم اتخاذها. إضافة لذلك يتواصل بنك إسرائيل بشكل دائم مع وزارة المالية وسلطة الأوراق المالية من أجل صياغة صورة للوضع العام، والتأكد من التنسيق فيما بينهم وصياغة الخطوات والبرامج المستقبلية.
تمّ اختبار سيناريوهات عديدة ومتنوعة، من أكثرها تشاؤمًا وحتى أكثرها تفاؤلا، وتمّ وضع مسارات عمل ملائمة للمستقبل من أجل ضمان أن يواصل النظام المالي عمله وان لا يتأثر جمهور المودعين؟
لا توجد أي خشية بشأن استقرار أيّة مؤسسة مصرفيّة في إسرائيل.
أوضح بنك إسرائيل أن الجهاز المصرفي في إسرائيل متين وأن بنك إسرائيل مستعد لمساعدة البنوك بجميع الوسائل المتوفرة لديه عندما تتطلب الحاجة، وذلك من منطلق رغبته بدعم جمهور المودعين. كما أشار وزير المالية أن حكومة إسرائيل ومن منطلق حرصها على ودائع الجمهور ومن أجل ضمان ثقة الجمهور بالنظام المالي، فإنها ستدعم استقرار النظام المالي. رغم انه لا توجد في إسرائيل تأمين على الودائع، فقد وفر بنك إسرائيل والحكومة في جميع الحالات السابقة ضمانًا فعليًا للمودعين في البنوك.
السبب الذي أشعل الأزمة كان تراكم القروض العقارية في الولايات المتحدة والتي وصلت إلى مرحلة الاعسار نتيجة التحوّلات في أنماط أسعار المنازل هناك. وذلك على خلفيّة عمليّة التساهل الملحوظة والتي امتدّت على مدار سنوات في شروط الحصول على قرض عقاري بدون توفّر شروط أساسية لقدرة السداد. العوامل التي أدت إلى أن تطول الخسائر مؤسسات مالية كبرى في دول عديدة هي عولمة الأسواق المالية التي سمحت بتسويق منتجات مالية مركبة في جميع أنحاء العالم وحتى مجرّد توفر منتجات مالية مركبة هو أحد عوامل تطوّر الأزمة.
في هذه المنتجات وضعت شروط متنوّعة لمعالجة الاعسار، والتي لم تكن مقبولة في السابق وبيع قسم منها من قبل مؤسسات مالية كبيرة وبكفالتها. سادت في شركات الاستثمار الكبرى في العالم فكرة أن التجديدات في دراسة مجال التمويل تتيح فهم هذه المنتجات وبالتالي التسعير بشكل أفضل، سواء للمنتج أو للكفالة. لاحقًا تبيّن أنّ تقدير المخاطر في هذه المنتجات كانت خاطئة بشكل كبير، الأمر الذي تسبب بخسائر كبيرة لتلك المؤسّسات المالية الكبرى ولزبائنها. نتيجة لذلك انتشر بسرعة مفاجئة عدم اليقين بالنسبة للقوّة المالية لهذه المؤسسات وتضرر أيضًا النشاط في أسواق المنتجات المالية الأساسية، والتي تعمل فيها شركات الاستثمار هذه.
جذور الأزمة المالية في العالم، خصوصًا في الولايات المتحدة، تكمن في اعطاء قروض عقارية لمقترضين ذوي قدرة سداد منخفضة، بالأساس في الولايات المتحدة ولكن ليس فقط، ونتيجة لذلك ارتفعت أسعار الشقق في تلك الدول بشكل كبير، وكذلك أسعار الأصول المالية الأخرى. عندما اتضح للمؤسسات المالية التي وفرت هذه القروض العقارية، أنّ قدرة السداد لدى المقترضين منخفضة وأنّهم اضطروا لعرض شققهم للبيع، بدأت أسعار الشقق التي استخدمت كضمانات للقروض العقارية subprime بالانخفاض، وشمل ذلك أيضًا القروض العقارية الجيّدة. كذلك فانّ أسعار الأصول الأخرى التي انخفضت أضرت بضمانات القروض التي قدمتها المؤسسات المالية في تلك الدول. هذه التطورات إلى جانب انهيار أسواق سندات الدين المدعومة بالقروض العقارية تفاقمت وأدّت، من بين أمور أخرى، إلى انهيار مؤسسات مالية عديدة في الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا. تقديم قروض عقارية كهذه لأصحاب قدرة سداد منخفضة وبأحجام كبيرة كتلك التي قدمت في تلك الدول، لم يحصل في النظام المالي الإسرائيلي، وكذلك لم يحصل ارتفاع في أسعار الشقق في إسرائيل بقوة كتلك التي حصلت في بريطانيا والولايات المتحدة (أسعار الشقق في إسرائيل بقيت مستقرة في الفترة ما بين كانون ثاني 2002 وحتى آب 2007). لذلك كانت المؤسسات المالية في إسرائيل وخصوصًا البنوك أقل تعرضًا للمخاطر الكامنة في التطورات المذكورة أعلاه.
من ضمن المؤسسات المالية الكبيرة التي تضررت بشكل كبير جرّاء الأزمة المالية في الولايات المتحدة كانت بنوك الاستثمار التي شكلت استثماراتها في الأصول المدعومة بالقروض العقارية جزءًا كبيرًا من ملف الأصول الخاص بها. المؤسسات المالية الإسرائيلية (صناديق الاستثمار المشترك، صناديق التعويض وغيرها) المشابهة في عملها لبنوك الاستثمار في الولايات المتحدة ليست كبيرة نسبيا وملف أصولها يشمل في الأساس أصولا مالية محلية وسندات دين حكومية. لذلك تأثرها بمخاطر السوق الكامنة في الأصول المدعومة بالقروض العقارية خارج البلاد لم يكن كبيرًا.
ألقت الأزمة المالية في العالم بظلالها على النظام المالي في إسرائيل من خلال الزيادة الكبيرة في التقلبات وعدم اليقين في أسواق رأس المال المحلية، أسعار الأوراق المالية في البورصة في تل أبيب انخفضت، وارتفعت مخاطر سندات الدين، خصوصًا سندات الشركات. مع هذا تجدر الإشارة إلى أن الأزمة كان مصدرها الولايات المتحدة وأوروبا وليس الجهاز الاقتصادي الإسرائيلي. اضافةً إلى ذلك، على ضوء التعرّض المنخفض نسبيًّا للنظام المالي الإسرائيلي، خصوصًا الجهاز المصرفي، للأزمة العالمية، وعلى ضوء متانة الجهاز المصرفي المحلي، فقد تمّ الحفاظ على ثقة الجمهور. مع هذا تجدر الإشارة إلى أنه في أعقاب الأزمة المالية من المتوقع انخفاض وتيرة نموّ الاقتصاد العالمي، وحدوث ركود في الولايات المتحدة، الأمر الذي من شأنه التسبّب بتباطؤ وتيرة نموّ الجهاز الاقتصادي الاسرائيلي، رغم أنّ وتيرة نموّ الجهاز الاقتصادي الإسرائيلي ستظل عالية مقارنةً بالأجهزة الاقتصاديّة المتطورة.
للعولمة دور حاسم في زيادة الارتباط بين سلوك أسواق رأس المال في البلاد وغيرها في العالم، نتيجة لذلك تنعكس التقلبات الكبيرة في العالم بتقلبات عالية لدينا أيضًا. مثلا، عندما تتعرض مؤسسات مالية دولية كبيرة لصعوبات في السيولة، فإنها تضطر لاستخدام أصول من جميع الأنواع وفي جميع الأماكن. كذلك، فإن للأزمة تأثير أيضًا على التوجه نحو خفض التنمية في العالم، وهي ظاهرة من شأنها أن تضر أيضًا بإسرائيل، خصوصًا من خلال التصدير.
للخطط الموضوعة احتمالات نجاح كبيرة في حل سلس وفوري للأزمة المتعلقة بمشكلة غياب الثقة ونقص السيولة في النظام المالي. احتمالات النجاح تكون أكبر كلما كانت ثقة الجمهور أعلى وكلما كان القلق لديه (والذي يؤدّي إلى سلوك القطيع) أقل.