لرؤية هذه الرسالة كملف اضغط هنا
تحية للجميع،
أجرى بنك إسرائيل أمس واليوم مناقشات مع لجنة النقد من أجل تقرير السياسة النقدية. في نهاية المناقشات قررت اللجنة النقدية إبقاء سعر الفائدة دون تغيير.
أحيت البلاد أول أمس ذكرى مذبحة السابع من تشرين أول، وحرب "السيوف الحديدية" التي اندلعت في أعقابها. دولة إسرائيل في حالة حرب مستمرة، وقد زادت حدة القتال مؤخراً على الجبهة الشمالية. لا تزال حالة عدم اليقين الجيوسياسي مرتفعة. وكما أشرنا فإن للحرب عواقب اقتصادية كبيرة، ولا يزال الطريق أمامنا طويلاً قبل عودة النظام الاقتصادي الإسرائيلي إلى نشاطه الكامل. هناك تحديات اقتصادية كبيرة تلوح في الأفق، ومن أجل تجاوزها هناك حاجة إلى إدارة مسؤولة للسياسة الاقتصادية والمالية والنقدية، من أجل ضمان استمرار الاستقرار المالي ونمو الاقتصاد في المستقبل.
تمحورت مداولات اللجنة حول تحليل العمليات الاقتصادية المختلفة وتأثيرات الحرب على النظام الاقتصادي وزيادة بيئة التضخم. على ضوء تزايد حالة عدم اليقين الجيوسياسي، تركز السياسة النقدية على تحقيق الاستقرار والحد من حالة عدم اليقين في الأسواق، إلى جانب الحفاظ على استقرار الأسعار ودعم النشاط الاقتصادي. من المتوقع أن تستمر السياسة النقدية في كونها مقيدة، وسيتم تعديلها حسب الضرورة وفقاً للمعطيات والتطورات في بيئة التضخم ومستوى النشاط والسياسة المالية والأسواق.
سأتناول الآن بعض الاعتبارات التي أخذناها في الاعتبار عند اتخاذ قرار السياسة وسأتناول بتوسع التطورات الاقتصادية المركزية في إسرائيل والعالم.
خلافا للاتجاه العالمي، فإن بيئة التضخم في إسرائيل آخذة في الارتفاع في الأشهر الأخيرة. لا يزال التضخم أعلى من الحد الأعلى للهدف، واستمر معدل التضخم السنوي في الارتفاع في شهر آب. إن الزيادة في التضخم واسعة وواضحة في مجموعة متنوعة من القطاعات، سواء في مكوناته غير القابلة للتداول أو في مكوناته القابلة للتداول. تعكس توقعات التضخم، والتي تشكل عنصراً هاماً في التحليل الذي نجريه لدراسة العملية النقدية، زيادة متوقعة أخرى في معدل التضخم في بداية عام 2025 واعتدال باتجاه الهدف في النصف الثاني من ذلك العام فقط. التوقعات على المدى البعيد تقع ضمن النطاق المستهدف. ووفقاً لتقدير اللجنة، فإن من بين العوامل التي قد تؤدي إلى زيادة أخرى في البيئة التضخمية استمرار الحرب وتأثيرها على النشاط في النظام الاقتصادي: بما في ذلك انخفاض قيمة الشيكل، والنشاط في سوق الإسكان وتقييداته، والتطورات المالية وأسعار النفط في العالم.
يُظهر تحليل النشاط الحقيقي في النظام الاقتصادي أن الاقتصاد لم يعد بعد إلى مستوى النشاط الذي كان سائداً عشية الحرب. كان نمو النظام الاقتصادي في الربع الثاني منخفضاً بل وتم تعديله بشكل طفيف من قبل دائرة الإحصاء المركزية نحو الأسفل. بناء على ذلك، فإن الناتج المحلي الإجمالي في النظام الاقتصادي كان أقل بنسبة 3.3% من خط الاتجاه بعيد المدى. مع ذلك ووفقا للمؤشرات الجارية، طرأ انتعاش معتدل على النشاط الاقتصادي في بداية الربع الثالث. يُظهر معدل نمو الاستهلاك الخاص، والذي اعتدل في الربع الثاني من عام 2024، علامات انتعاش طفيفة، كما يتجلى ذلك في ارتفاع معطيات الإنفاق الاسمي ببطاقات الائتمان. بالإضافة إلى ذلك، يشير تصدير خدمات التكنولوجيا الفائقة وجمع رأس المال لشركات التكنولوجيا الفائقة ومؤشر مديري المشتريات أيضًا إلى تحسن في النشاط. يعكس مسح الاتجاهات لشهر أيلول اتجاها مختلطاً لدى المصالح التجارية، خاصة على خلفية التصعيد في الشمال.
سوق العمل لا يزال ضيقاً نظرا للقيود على العرض. تم تسجيل استقرار في معدل التوظيف، وفي المقابل استمر معدل المشاركة في الانخفاض بشكل معتدل في الأشهر الأخيرة، وتزايد حجم تعبئة الاحتياطي منذ بداية أيلول. على الرغم من انخفاض معدل المشاركة، إلا أن معدل الشواغر في آب لا يزال أعلى من مستويات ما قبل الحرب. القيود على العرض في سوق العمل، والتي ترجع بشكل رئيسي إلى نقص العمال غير الإسرائيليين والمتغيبين بسبب الخدمة الاحتياطية، ما زالت تعيق النشاط الاقتصادي وتؤخر عودة الاقتصاد إلى ما كان عليه قبل الحرب.
في سوق الإسكان يستمر الاتجاه التصاعدي لأسعار الشقق، والتي ارتفعت في العام الماضي بنسبة 5.8٪. لا يزال حجم القروض العقارية مرتفعاً، حيث بلغ 8.4 مليار شيكل في شهر آب. يعمل قطاع البناء بمستوى أقل مما كان عليه قبل الحرب، وهناك انخفاض ملحوظ في مشاريع البناء الجديدة وإنهاء المشاريع. لقد مر عام منذ بدء الحرب وعملية استيعاب العمال الأجانب في قطاع البناء تسير ببطء. لهذه المسألة أهمية اقتصادية كلية تتجاوز قطاع البناء. لذلك ومع مراعاة تعليمات وقيود السلطات الأمنية، من المستحسن قدر الإمكان تعزيز الإجراءات الضرورية من أجل السماح للعمال الفلسطينيين بالعودة إلى قطاع البناء.
في سوق الائتمان، تم تمديد برنامج تأجيل الدفعات الذي وضعته هيئة الرقابة على البنوك واعتمده النظام المصرفي، بهدف التسهيل على المقترضين في هذه الفترة الصعبة. في الوقت نفسه، استمر اتجاه التوسع المعتدل في رصيد الائتمان التجاري والائتمان الاستهلاكي.
منذ قرار السياسة النقدية السابق، تراجع الشيكل بنحو 2.8% مقابل الدولار و1.5% مقابل اليورو، مع تقلبات عالية بسبب التطورات الجيوسياسية. في أعقاب التصعيد في الشمال ارتفعت رسوم المخاطر في إسرائيل بشكل حاد، كما تم قياسها على يد CDS، واتسع الفارق بين سندات الحكومة الإسرائيلية المقومة بالدولار وسندات الحكومة الأمريكية بشكل طفيف، ولا يزال عند مستوى مرتفع. في سوق رأس المال أيضاً، وعلى الرغم من الزيادات في الأسابيع الأخيرة، إلا الأداء لا يزال ضعيفًا مقارنة بالعالم منذ بداية الحرب. تجدر الإشارة إلى أن رسوم المخاطر الموجودة عند مستوى مرتفع تنطوي على تكاليف تمويل عالية، سواء في القطاع العام أو قطاع الأعمال، وقد تقلل من الاستثمارات وتؤثر سلباً على النمو في النظام الاقتصادي.
أود أن اتطرق إلى الخفض الإضافي للتصنيف الائتماني لإسرائيل واستمرار أفق التصنيف السلبي من قبل وكالتي التصنيف موديز وS&P. من المهم الاصغاء لشركات التصنيف وأخذ تقييمات على محمل الجد، لأنها تعكس التحديات والمخاطر التي يواجهها الاقتصاد الإسرائيلي من وجهة نظر العالم. تؤكد وكالات التصنيف على تأثير الواقع الجيوسياسي، كما أنها تعكس أيضًا تأثير إدارة السياسة المالية، مع التركيز على أهمية برامج السياسة المستقبلية. لقد تم اتخاذ هذا القرار كما أوضحت وكالات التصنيف لعدة أسباب. أولاً وقبل كل شيء، عدم اليقين الجيوسياسي، وزيادة حدة الحرب على الجبهة الشمالية، وانخفاض فرص وقف إطلاق النار في غزة. كما ركزت وكالة "موديز" أيضًا على عملية إقرار الميزانية والقدرة على إجراء التعديلات المالية اللازمة، وصعوبة تجنيد اليهود المتدينين، والتحركات لتغيير النظام القضائي. من المهم التأكيد، كما أكدت الوكالات أيضاً، على أن دولة إسرائيل شهدت أزمات جيوسياسية في الماضي، وحتى خلال الفترات التي كانت فيها نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي أعلى بكثير، لم يكن هناك أي تأخير في سداد ديون إسرائيل. إن ثقة الأسواق والمؤسسات الاقتصادية الدولية هي أمر ضروري لاستقرار الاقتصاد الإسرائيلي. ومن أجل ضمان ثقة الأسواق في الاقتصاد الإسرائيلي، من المهم أن تعمل الحكومة على معالجة القضايا الاقتصادية التي أثيرت في التقارير، والتي تتوافق إلى حد كبير مع التوصيات التي قدمها بنك إسرائيل في الماضي.
تتضمن توقعات الاقتصاد الكلي المحدثة التي نشرتها شعبة البحوث اليوم تطورات مختلفة. تقدر الشعبة بأن الحرب، التي اتسعت على الجبهة الشمالية أيضاً، ستستمر بحدة عالية حتى بداية عام 2025.
في السيناريو الأساسي، تشير تقديرات الشعبة إلى أنه من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 0.5% في عام 2024 و3.8% في عام 2025. وهذا نمو أقل من توقعات تموز بمقدار 1 و0.4 نقطة مئوية لعامي 2024 و2025 على التوالي، مما يسبب انحراف الاقتصاد عن اتجاه النمو في السنوات الأخيرة. ارتفعت توقعات معدل التضخم عن التوقعات السابقة، حيث من المتوقع أن يصل التضخم السنوي إلى 3.8% في نهاية عام 2024 و2.8% في عام 2025. ومن المتوقع أن يصل العجز في الموازنة الحكومية إلى 7.2% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024، نظراً لارتفاع تكاليف الحرب وتدفق المساعدات الأميركية الخاصة التي تم تأجيله جزئياً إلى عام 2025 وما بعده.
في عام 2025 من المتوقع أن يصل العجز إلى 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك على افتراض إجراء تعديلات مالية ذات طبيعة دائمة في حدود 30 مليار شيكل تقريباً. من المتوقع أن يصل الدين العام إلى مستوى 68 في المائة تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024 ونحو 69 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025. تتميز التوقعات بمستوى مرتفع جداً من عدم اليقين. درست الشعبة أيضاً السيناريوهات التي قد تشتد فيها الحرب أو تستمر لفترة أطول. تشير هذه السيناريوهات، كما هو متوقع، إلى ارتفاع التضخم وزيادة نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. على ضوء ذلك تقدر الشعبة بأن يميل ميزان المخاطر فيما يتعلق بتوقعات النمو إلى الانخفاض، بينما فيما يتعلق بتوقعات التضخم والعجز يميل ميزان المخاطر إلى الأعلى.
موازنة الدولة لعام 2025 تشكل تحدياً، وعملية صياغتها هي خطوة إيجابية، وخاصة على خلفية حجم التعديلات المالية المطلوبة. تشكل الموافقة على موازنة مسؤولة لعام 2025 عنصراً أساسياً في تعزيز ثقة الأسواق الدولية والحفاظ على استقرار الاقتصاد. من المهم المصادقة في الحكومة وفي الكنيست على تعديلات مالية ذات طبيعة دائمة وبحجم واسع، مقابل الزيادة المستمرة في الإنفاق الدفاعي. وذلك من أجل السماح لنسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بالاستقرار والانخفاض مرة أخرى خلال العامين المقبلين. في هذا السياق فإن الخطوات التي اقترحها وزير المالية هي في الاتجاه الصحيح. فيما يتعلق بتكوين الميزانية، فمن الأفضل أن تشمل التعديلات أكبر عدد ممكن من السكان، ومن المهم أن تعطي الحكومة الأولوية للنفقات الداعمة للنمو، وتقليل الحوافز السلبية للذهاب إلى العمل وإلغاء أنشطة الوزارات غير الضرورية، خاصة في هذا الوقت.
سأنتقل الآن للحديث قليلاً عن التطورات في العالم. كان لتزايد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط حتى الآن تأثير معتدل على الأسواق المالية العالمية، مع أنه تسبب في ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي. كانت بيانات النمو الاقتصادي المنشورة في الفترة قيد المراجعة في الولايات المتحدة بمثابة مفاجأة إيجابية، بينما في منطقة اليور، كان النمو في الربع الثاني أقل قليلاً من المتوقع. تشير اتجاهات التضخم إلى استمرار التقارب مع أهداف البنوك المركزية. وتستمر التسهيلات النقدية بين البنوك المركزية في الدول المتقدمة مع خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار -50 نقطة أساس، وواصل البنك المركزي الأوروبي الدفع باتجاه خفض أسعار الفائدة، حيث خفضها بمقدار 25 نقطة أساس، ومن المتوقع أن يستمر اتجاه خفض أسعار الفائدة في العام المقبل.
في الختام، يواجه النظام الاقتصادي الإسرائيلي فترة معقدة. فترة تشير فيها العمليات الهامة إلى انتعاش معتدل إلى جانب استمرار تحديات مثل قيود العرض في بعض قطاعات الاقتصاد، وعدم اليقين الجيوسياسي، وارتفاع رسوم المخاطر. لقد أثبت الاقتصاد الإسرائيلي قدرته على تجاوز الأزمات في الماضي. وقد نتج ذلك، من بين أمور أخرى، عن تنفيذ سياسات اقتصادية مستنيرة وتعزيز الإصلاحات الهيكلية الأساسية. من المهم أن نشير إلى أنه في الأوقات الصعبة تحديداً، تنشأ أحياناً فرص لإجراء تغييرات مهمة وضرورية.
يشد بنك إسرائيل ولجنة النقد على أيدي الجنود وقوات الأمن الآخرين الذين يضحون بحياتهم من أجلنا على مختلف الجبهات. كما نرسل تعازينا للعائلات الثكلى. ونبعث تمنياتنا بالشفاء العاجل للجرحى وندعو من أجل عودة جميع المختطفين سريعا. قلوبنا معكم.
استغل هذه الفرصة أيضاً لأتمنى للجميع سنة جديدة سعيدة.
شكراً لكم.