بروفيسور يعقوب فرنكل كان المحافظ الذي قاد التحرّر في سوق العملة الأجنبية. عندما بدأ باشغال المنصب، كان هنالك من اعتقد أنّ بعد نجاحنا بالقضاء على التضخم المالي في سنوات الثمانينات، انخفاضًا اضافيًّا من مستوى 20% إلى مستوى أقل، فانّ ذلك لم يكن يستحق الثمن المنوط به. قاد يعقوب العملية بشكل متواصل وباصرار وعناد، وفي نهايتها وصلت إسرائيل لمستوى تضخم مالي منخفض وتمتّع الجهاز الاقتصادي باستقرار ويقين لسنوات طويلة في هذا المجال. كما هو معروف، نواجه اليوم تضخم مالي أقل بقليل من المستوى المستهدف. ومن الواضح اليوم للجميع أنّ هذا الجهد كان مجديًا على المدى البعيد. انتصر يعقوب على عمليّة التحرّرفي سوق العملة الأجنبية وميزان المدفوعات، وبفضله يتمتع الجهاز الاقتصادي بانفتاح سوق العملة الأجنبية بشكل كامل وحركة أموال حرّة ما بين الجهاز الاقتصادي وخارج البلاد.
بروفيسور ستينلي فيشر هو المحافظ الذي نجح بالتغلب على الأزمة العالمية. تحت قيادته، وفي الوقت الذي اهتزّ فيه الاقتصاد العالمي، تميّز بنك إسرائيل بالاستقرار والاتزان والتفكير الإبداعي والعمل الشجاع، الأمر الذي أضفى الأمان على النشطاء في الأسواق، الشركات، والجمهور كله، وأدّى من بين عوامل أخرى، إلى أن يكون الجهاز الاقتصادي الإسرائيلي من بين الأقل تأثرًا بالأزمة العالمية. قاد ستينلي بإصرار تشريع قانون بنك إسرائيل الجديد، في إطارة، وبخلاف الطبيعة البشرية، قاد عمليّة تقليص صلاحيات المحافظ، الذي كان لغايّة تغيير القانون قادر على عمل أي شيء. بفضله، فانّ قرارات السياسة النقدية تتخذ اليوم في إطار لجنة، ما يعزّز الشرعية الجماهيرية واستقلالية بنك إسرائيل في اتخاذ القرارات. ومن الناحية الإدارية، يدار البنك تحت رقابة وتوجيه المجلس الإداري. هذه التغييرات وغيرها حسّنت وزادت قوّة بنك إسرائيل.
بروفيسور كرنيت فلوغ كانت المحافظة التي أمسكت بقرنيّ الثور، وعالجت المشاكل الأساسية للاقتصاد الإسرائيلي. هي وضعت على الطاولة بشكل واضح مشكلة الإنتاجية المنخفضة للجهاز الاقتصادي الإسرائيلي، وربما يكون هذا العامل الأكثر تأثيرًا على رفاه مواطني إسرائيل في العقود القادمة. تميّزت فترة كرنيت بإصلاح كبير في الجهاز المالي. تحت قيادتها، أخذ البنك على عاتقه إقامة نظام مشاركة معطيات الائتمان، والذي أطلقناه قبل خمسة شهور، وتعاون البنك مع وزارة المالية وجهات إضافية لصياغة، تشريع وتنفيذ الخطة الإصلاحية لتعزيز المنافسة المصرفية. من منطلق الاعتراف بأهميّة الاستقرار المالي، أصرّت كرنيت على دفع تشريعات لجنة الاستقرار المالي قدمًا، والتي تعتبر قاعدة هامّة لتقليص المخاطر في حال نشوب أزمة.
شكر جزيلا لكم، وشكرا بالطبع لصحيفة غلوبس على تنظيم هذا المؤتمر. سأستغل الفرصة لاطلاعكم على ما يحدث في بنك إسرائيل منذ استلامي المنصب واطلاعكم على خططنا المستقبلية.
في الشهور الأولى لاستلامي المنصب، استكملنا بعض المشاريع التي بدأت في السنوات السابقة. كما ذكرت، أطلقنا نظام مشاركة معطيات الائتمان، وهو يدار بشكل يرضينا. انضمّ عدد كبير من الهيئات المالية، حتى تلك غير الملزمة بموجب القانون، للنظام وبدأت بارسال وتلقي المعطيات. أخرجنا أيضًا إلى حيّز التنفيذ فصل شركتيّ بطاقات الائتمان، مع حرصنا على أن يكون الفصل داعم لأهداف الخطة الإصلاحية. يسعدني أيضًا اخباركم بأنّ لجنة الاستقرار المالي اجتمعت عدّة مرات وهي تتقدّم في صياغة أدوات وطرق عملها. وعرضنا أمام الحكومة تحليلا معمّقًا وواضحًا بشأن الحاجة لتنفيذ ملاءمات مالية. وبالمقابل، عرضنا خطة لتحسين مستوى المعيشة والإنتاجية في الجهاز الاقتصادي.
ولم نتجاهل قضية الإسكان، وتأثيرها على الجيل الشاب، لقد طلبت من قسم الأبحاث أن يبدأ بصياغة توصيات عملية في مجال الإسكان، لمساعدة الحكومة الجديدة على تحديد سلم الأولويات والعمل على إزالة العوائق التي تشكّل صعوبة أمام زيادة عدد الشقق السكنية.
بمبادرة مشتركة مع صندوق النقد الدولي، نعمل على تطوير نموذج ماكرو اقتصادي جديد، يأخذ بعين الاعتبار قطاعين لم يكونا مشمولين حتى الآن في النماذج المتبعة- سوق الإسكان والنظام المالي. هذان القطاعان كانا عاملين رئيسيين لأزمة 2008. هذا النموذج سيساعدنا في التقديرات على مستوى الماكرو، لكن أيضًا سيساهم من أجل عمل لجنة الاستقرار المالي. مبادرة إضافية بالشراكة مع صندوق النقد، نعمل على تنظيم مؤتمر دولي بموضوع مخاطر السايبر في النظام المصرفي والمالي، من منطلق الاعتراف بأنّ هذا هو أحد المخاطر الرئيسيّة للاستقرار المالي بالنظر إلى المستقبل.
وبالنظر إلى المستقبل، قمت باطلاق عملية استراتيجية لتحديد أهداف البنك للسنوات القريبة. الإدارة كلّها تجنّدت لصالح ذلك، وبالأخص مدير عام البنك، حيزي كالو. ليس من السهل إجراء ذلك خلال العمل الجاري والذي دائمًا ما يكون مكثّفًا، لكن كان واضحًا لي أنّه علينا العمل أكثر من العمل الجاري. ولذلك أطلقنا شعار "نعمل اليوم- نفكّر بالغد". طلبت من أعضاء الإدارة التفكير خارج الصندوق، ومحاولة تحديد التحديات الهامّة التي ستواجه الاقتصاد الإسرائيلي وبنك إسرائيل في السنوات القريبة. وأقمنا لهذا الغرض، عدد من الطواقم، بمشاركة عشرات الموظفين والمديرين، في كافة المجالات ذات الصلة:
• يتناول المجال الأوّل السياسة النقدية في العصر الحديث ويطرح أسئلة كبيرة. على ضوء التغييرات في الاقتصاد العالمي والمحلي، وعلى ضوء التغييرات التي من شأنها أن تطرأ فيما يخص مبنى النقود في العصر الحديث، من الضروري فهم كيف يجب أن تدار السياسة النقدية وما هو صندوق الأدوات المطلوب من أجل ذلك. لذلك، وابتداءً من السنة القريبة، ننوي الشروع بسيرورة تفكير من جديد حول إطار السياسة النقدية، وقد استدعينا جهات مرموقة من بنوك مركزية حول العالم للمجيء إلى البلاد والمشاركة في المؤتمر الذي ننوي تنظيمه في هذا الموضوع. وبالتأكيد يمكن أن نستنتج في نهاية السيرورة أنّ النظام القائم هو الصحيح وليس هنالك حاجة لتغييره، لكن يجب علينا التفكير بكل الاتجاهات قبل الاستنتاج.
• هنالك طاقم إضافي يتناول موضوع النظام المالي المستقبلي وكيفية الاستعداد للتغييرات المتوقعة فيه. ويعمل الطاقم على صياغة استراتيجية تهدف إلى الحفاظ على الاستقرار المالي، مع ملاءمة النظام المالي والشؤون التنظيمية للبيئة المتغيّرة، زيادة المنافسة وإدخال الابتكار. تقف التطورات التكنولوجية التي من شأنها تغيير النظام المالي في مركز عمل الطاقم، إضافةً إلى التحديات النابعة عن زيادة عدد ونوع اللاعبين في النظام، وكذلك التطرّق لأسئلة تطرح نفسها بشأن وظيفة بنك إسرائيل كعامل مركزي في النظام المالي وسوق رأس المال بشكل عام.
• الطاقم الثالث يستمتع بحياته. وهو يركز على التكنولوجيا المتقدمة في العصر الديجيتالي. ويتناول الطاقم تأثيرات العصر الديجيتالي على البنى التحتية المالية- الخدمات المصرفية المفتوحة، العملات الديجيتالية، والحاجة إلى تطوير أنظمة الدفع في الجهاز الاقتصادي لنظام دفع فوري وسريع- علمًا أنّ إسرائيل تعتبر متأخرة في هذا المجال عن مقدّمة العالم. كما ناقشنا كيف يمكن تطوير الابتكار في النظام المالي والاقتصاد كلّه، وكيف نحوّل البنك ذاته إلى مؤسّسة ديجيتالية ومبتكرة.
• من يعرفني يعرف أنّني اتنفس الأبحاث والمعلومات. الطاقم الرابع الذي أقمناه يتناول هذا المجال. أخشى أنّه منذ استلامي المنصب أجهدت العاملين المتميّزين في قسم الأبحاث وقسم الإحصاء في البنك بالطلبات التي قدّمتها لهم. المعطيات الإحصائية هي حجارة الأساس في عمل البنك المركزي. بالنظر إلى المستقبل، ستكون حاجة بجمع معلومات جديدة بمواضيع مختلفة ومن مصادر جديدة.
• نحن ننظر أيضًا إلى الداخل، إلى القوى البشرية، المورد الأهم الذي يملكه بنك إسرائيل. ونحن نفحص بشكل معمّق أيّة استراتيجيّة تضمن العوائد المناسبة لغرض تنفيذ وظائف البنك على مرّ الوقت، وعلاقتنا مع الجمهور، وهل وكيف يجب أن نلائم الطريقة التي نشرح بها أنفسنا للجمهور على ضوء التغييرات الحادّة التي تطرأ في عالم الاتصال عامةً، والطريقة التي تتواصل فيها البنوك المركزية مع الجمهور خاصةً.
هذه العملية هي مركبة وعميقة، تهدف إلى وضع علامات استفهام حول كل أمر ممكن يوجد عليه إجماع، وبالتأكيد فانّ الاختبار هو في التطبيق. على ضوء التجنّد الواسع لهذه العملية، انا متأكّد أنّه في النهاية سيكون البنك مهيّأ أكثر للقيام بوظائفه بالشكل الأفضل على ضوء التحديات التي سنواجهها في السنوات القادمة.
وننتقل الآن إلى آخر التحديثات، كما هو معلوم لكم، فانّ اللجنة النقدية قرّرت في الأسبوع الماضي إبقاء الفائدة دون تغيير، لكن نقلت رسالة مختلفة عن الرسالة التي رافقتنا في الشهور الأخيرة. تغيّرت الرسالة لأنّ المعطيات تغيّرت، بقاموس المجال المصرفي المركزي يدعى ذلك data dependency. خلال وقت قصير نسبيًّا، رأينا انخفاضًا في التضخم المالي، تغيير اتجاه في السياسة النقدية العالمية، تفاقم المخاطر على الاقتصاد العالمي، وزيادة حادّة نسبيًّا على قيمة العملة. ذكرنا أنّ الجهاز الاقتصادي المحلي هو بوضع جيّد، وفعلا نرى أنّ الجهاز الاقتصادي ينمو بوتيرة جيّدة، سوق العمل يحافظ على قوّته، ونرى أنّه لغاية اليوم فانّ التباطؤ في الاقتصاد العالمي لا يصل إلى الاقتصاد الإسرائيلي، ولا إلى التصدير حتى، الذي يواصل نموّه بالأساس بفضل تصدير الخدمات.
اذا كان الجهاز الاقتصادي بوضع جيّد، فلماذا ذكرت أنّه عند الحاجة سنتخذ خطوات لتوسيع السياسة النقدية؟ أوّلا، لأنّ اتجاه التضخم المالي تغيّر. ليس واضخًا لنا في هذه المرحلة اذا كان الحديث عن ضجيج معطيات، ضجيج عالٍ في الواقع، لكن ضجيج، أو انخفاض أساسي في التضخم المالي. لكن واضح لنا أن علينا الاستمرار في سعينا لرفع التضخم المالي لاتجاه مركز النطاق المستهدف.
في الأسابيع الأخيرة طرح موضوع سوق العملة الأجنبية في العناوين، هذه فرصة لأوضّح، لقد صرّحت أنّني كنت أفضّل مبدئيًّا أن يتحدّد سعر الصرف بناءً على قوى السوق. عمليًّا، هنالك نافذة لسعر صرف نعتقد أنّه متناسق مع استقرار الأسعار والنشاط الاقتصادي، حين نأخذ بعين الاعتبار كافة العوامل والمتغيرات في الجهاز الاقتصادي. هذه النافذة ديناميكيّة ومرتبطة بعوامل متغيرة كل الوقت، والتي يفضّل عدم كشفها بطبيعة الحال.
من هذه الناحية، يمكن القول بخصوص سياسة بنك إسرائيل في هذا الموضوع- غموض بنّاء، وهي سياسة مناسبة لجهاز اقتصادي صغير كاسرائيل. وبناءً عليه، حين يقدّر بنك إسرائيل بأنّ سعر الصرف انحرف بشكل كبير عن تلك النافذة التي حدّدناها، فبالتأكيد يمكن أن نتدخل في السوق. ولن يحصل أحد على رسالة تحذيرية منا قبل ذلك.