القى محافظ بنك إسرائيل، بروفيسور أمير يارون، خطابًا في مؤتمر "اتاحة الخدمات الماليّة، أمس اليوم وغدًا" الذي عقد في ذكرى المرحوم يعقوب يارون في قسم إدارة الأعمال في كليّة الإدارة في ريشون لتسيون.
وافتتح المحافظ خطابه من خلال مشاركة قصص عن والده من زاوية شخصية-أسرية وتحدث أيضًا عن نشاطه المهني في الأوساط الأكاديمية وقطاع الأعمال والبنك الدولي في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث عمل يعقوب يارون على تطوير مؤشر SDI - وهو مؤشر كفاءة البنوك للتمويل الميكرو التي تتلقى الإعانات أو القروض مخفّضة السعر من البنك الدولي. وقد أصبح المؤشر جزءًا لا يتجزأ من اعتبارات تقديم القروض في مجال التمويل الميكرو في البنك الدولي.
واستعرض المحافظ وضع الاقتصاد الكلي مع التركيز على الاقتصاد العالمي وسوق العمل في إسرائيل وقطاع الهايتك، مستعرضًا توقعات الاقتصاد الكلي لقسم الأبحاث، كما تطرّق إلى قضايا إتاحة الخدمات والابتكار في مجالات الخدمات المصرفية والمالية، والتي تم تناولها أيضًا على نطاق واسع في المؤتمر. وفي خطابه، شرح المحافظ السياسة النقدية التي يتبناها البنك بهدف القضاء على التضخم مع التركيز على تأثير التضخم بشكل أقوى على الشرائح الضعيفة على وجه التحديد.
وقد جاء في خطاب المحافظ فيما يتعلق بالسياسة النقديّة:
"التضخم في إسرائيل مرتفع، وهو يتجاوز الحد الأعلى للنطاق المستهدف. لكنّه أقل من معظم دول العالم، ومع ذلك، فإن التضخم "الأساسي" أقرب إلى المتوسط. تضخم المنتجات القابلة للتداول هو باتّجاه تنازلي، لكن تضخم المنتجات غير القابلة للتداول يستمر في الارتفاع ولا يظهر حتى الآن أية علامات انخفاض. ندرك من تحليلاتنا المختلفة أن لارتفاع الطلب في الجهاز الاقتصادي وزنًا كبيرًا في المساهمة في التضخم.
وعندما ننظر إلى فترات أقصر، وبدقة عالية على البنود الفرعية، يمكن أن نرى أن التضخم يظهر أولى علامات الاعتدال. تقود هذه البيانات وغيرها المصادر المختلفة - المتنبئون الاقتصاديون واللاعبون من سوق رأس المال وغيرهم - إلى رؤية التضخم باقٍ في نطاقه الحالي في الربع القادم - وربما يرتفع قليلاً - ولكن بعد ذلك يعتدل وينخفض ويعود إلى الحد الأعلى للنطاق المستهدف خلال الربع الثالث من العام.
يجب أن نتذكر أن زيادة أسعار الفائدة حتى الآن قد تم تنفيذها بوتيرة سريعة نسبيًا وأن تأثير زيادة أسعار الفائدة على التضخم يحدث مع تأخير لبعض الوقت. علاوة على ذلك، حتى نكون على ثقة من أن التضخم ينخفض فعلا ويعود للنطاق المستهدف، فمن المحتمل أن نرى أسعار الفائدة تبقى عند حوالي 4٪ لبعض الوقت. هذا هو التقييم الذي يعكس السيناريو الرئيسي. وكلّما كانت هناك تطورات هامّة تسرع من عمليات التضخم، سواء من جانب الاقتصاد العالمي أو من جانب البيئة المحلية، فمن الممكن أن يكون سعر الفائدة الذي سنحدّده في إطار السياسة النقدية حتى أعلى من ذلك. كل هذا لأننا كنا وما زلنا مصممين وملتزمين بإعادة التضخم إلى النطاق المستهدف.
من المهم بالنسبة لي أن أشرح لما من المهم القضاء على التضخم، ولماذا يستخدم بنك إسرائيل بحزم أداة سعر الفائدة لإعادة التضخم إلى حدود النطاق المستهدف. تظهر الأبحاث التجريبية وجود ارتباط إيجابي بين التضخم وعدم المساواة. الارتباط، بالطبع، ليس سببيًّا، لكن الأدبيات تقدم العديد من التفسيرات لسبب تعميق التضخم لعدم المساواة، وعلى وجه الخصوص، لماذا يلحق التضخم الضرر بالأساس بالشرائح السكانيّة الضعيفة. وهذا أحد أسباب تبنينا للسياسة الحالية. فلماذا تتضرر الشرائح السكانيّة الضعيفة أكثر من التضخم؟
- تنفق الطبقات الضعيفة أكثر نسبيًا (كجزء من دخلها) على المنتجات التي تكون القدرة على التخلي عنها أو استبدالها أقل. تتكوّن سلة استهلاك الأسر من الطبقات الضعيفة من المنتجات الاستهلاكية الأساسية. ما يعني أن التخلي عنها سيلحق ضررًا كبيرًا للغاية في جودة الحياة؛ وبهذا الشأن- عندما ترتفع الأسعار، يمكن للأسر الأقوى أن تتخلى عن وجبة في المطاعم باهظة الثمن، أو أن تقلّل الإجازات في البلاد والخارج؛ في حين أنّ الأسر الضعيفة، التي تستهلك بالأساس المنتجات الأساسية مثل الطعام – ستجد صعوبة أكبر في تقليلها. بالإضافة إلى ذلك، فانّ سلة الاستهلاك للأسر القوية أكثر تنوعًا وتتيح استبدالا أعلى للمنتجات.
- حصة الاستهلاك الجاري من إجمالي دخل الأسرة أكبر في الفئات العشرية الأدنى. الأسر الضعيفة نسبيًا تنفق جزءًا أكبر من دخلها على سلة استهلاكها، وبالتالي فإن التضخم – غلاء سعر سلة الاستهلاك – يمسّ بها أكثر.
- الاتاحة المنخفضة للمنتجات المالية التي تعوض التضخم. هناك عدة عوامل لذلك- على سبيل المثال، انخفاض مستوى الثقافة المالية، مما يعني أن إتاحة الأصول الماليّة مثل المنتجات الاستثمارية أو الودائع المصرفية للأسر الضعيفة هي أقل، ويميل المال إلى البقاء في الحسابات الجارية نقدا.
- إن القدرة على المساومة فيما يتعلق بالأجر أقل، وبالتالي فإن الأجر الاسمي يكيّف نفسه بتأخير أكبر، والأجر الحقيقي يتآكل أكثر. مثال على ذلك هو الحد الأدنى للأجور، الذي لم تتغير قيمته الاسمية في السنوات الأخيرة، وبالتالي - فقد تآكلت قيمته الحقيقية. هذا في حين أن الأجر الحقيقي في قطاع الأعمال قد ارتفع في السنوات الأخيرة.
هذه بالطبع ليست سوى بعض الأسباب لتبني سياسة نقدية تهدف إلى استقرار الأسعار.
إنّ استقرار الأسعار هو الأساس للحفاظ على اقتصاد مستقر وخلق بيئة ذات قدر كافٍ من اليقين لتشجيع الاستثمارات والقيام بالأعمال التجارية التي تعتبر مهمة للغاية للنمو الاقتصادي. سنواصل القيام بذلك مع المتابعة المستمرة للتطورات الاقتصادية المختلفة بهدف ضمان أن يسود استقرار الأسعار المطلوب في إسرائيل".
كما أشار المحافظ يارون في خطابه إلى الخطوات الاقتصادية التي عرضت الليلة السابقة ومسألة غلاء المعيشة قائلا:
"إن الخطوات التي عرضت الليلة الماضية لتخفيف الارتفاع في أسعار الكهرباء والمياه والأرنونا هي معقولة، بالنظر إلى أنها خطوات مؤقتة يتم تغطية تكلفتها من مصادر مختلفة في الميزانية، مع الحفاظ على الإطار المؤسسي لتحديد أسعار المياه والكهرباء من قبل الجهات المختصة.
من المهم أن نتذكر أن أفضل طريقة للتعامل مع غلاء المعيشة هي تعزيز الإصلاحات الهيكلية التي تشجع المنافسة في الأسواق المختلفة. هذه عملية طويلة تتطلب عملاً مهنيًا ومتعمقًا ويتطلب تنفيذها قدرًا كبيرًا من المثابرة. لقد سررت يوم أمس بسماع التزام رئيس الوزراء ووزير المالية بعمليات تشجيع المنافسة وفتح الأسواق والحد من الإجراءات التنظيميّة الزائدة
على مدار الأشهر الأخيرة، عملنا في بنك إسرائيل بجد على صياغة توصيات لخطوات سياسية تضمن نموًا طويل الأجل ومستدامًا في الجهاز الاقتصادي الإسرائيلي، والتي سيتم تقديمها قريبًا إلى الحكومة. ومن بين الموضوعات التي تناولتها الخطوات هناك أيضا محاربة غلاء المعيشة. ومن بين أمور أخرى، نوصي بسلسلة من الخطوات لإزالة العوائق التي ستؤدي إلى تسهيل عمليات الاستيراد وزيادة المنافسة بين المستوردين وبينهم وبين المنتجين المحليين.
وفي كل ما يتعلق بالسياسة المالية، من المهم أن تتصرف الحكومة الجديدة من منطلق المسؤولية اللازمة، لا سيما في النفقات التي لا تهدف إلى دعم النمو المستدام. لقد قلت في الماضي إن أحد الأصول الاستراتيجية لإسرائيل هو انخفاض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما خدمنا بإخلاص أيضًا خلال أزمة الكورونا.
وفي هذا السياق، أود أن أشير إلى أنّني سررت بسماع تصريح وزير المالية في الأيام القليلة الماضية بأنّه من المهم الحفاظ على الإطار المالي والاتساق بين السياسة المالية والسياسة النقدية".
صور من المؤتمر. تصوير: كليّة الادارة