لرؤية هذه الرسالة كملف اضغط هنا
تحية للجميع،
أحيينا بالأمس ذكرى مرور نصف سنة على مأساة السابع من تشرين الأول. منذ بداية الحرب أثبت الاقتصاد الإسرائيلي قوته. لا تزال حالة عدم اليقين الجيوسياسي مرتفعة، بل وزادت في الآونة الأخيرة. وعلى الرغم من التحسن التدريجي في النشاط الاقتصادي، إلا أنه لا يزال أمامنا طريق طويل قبل أن يتعافى النظام الاقتصادي بشكل كامل. مع اندلاع الحرب، اتخذنا العديد من الخطوات الرامية إلى ضمان استمرار عمل الأسواق وتخصيص المساعدات للسكان المتضررين. وقد نجحت هذه البرامج حتى الآن في تحقيق الاستقرار في سوق الصرف الأجنبي وفي الأسواق المالية.
استمرت مناقشات اللجنة النقدية التي جرت في اليومين الماضيين في تناول الآثار الاقتصادية للحرب. قمنا في اللجنة النقدية بتحليل العمليات المختلفة وتأثيرها على النشاط الاقتصادي وعلى التضخم. وكما أشرنا عدة مرات في الماضي، سيستمر تحديد سعر الفائدة وفقاً لما يدعم استمرار اقتراب التضخم من النطاق المستهدف واستمرار استقرار الأسواق المالية والنشاط الاقتصادي والسياسة المالية. على ضوء التطورات الأخيرة، التي تشير إلى زيادة كبيرة في درجة عدم اليقين الجيوسياسي، قررت اللجنة النقدية توخي الحذر وترك سعر الفائدة دون تغيير. تتوافق هذه السياسة مع السياسة التي اتبعناها منذ اندلاع الحرب، والتي تركز فيها اللجنة على استقرار الأسواق وتقليل حالة عدم اليقين، إلى جانب استقرار الأسعار ودعم النشاط الاقتصادي.
سأنتقل الآن لاستعراض التطورات الاقتصادية الأساسية.
يستمر التضخم السنوي في الاعتدال تدريجياً. ارتفع مؤشر الأسعار للمستهلك لشهر شباط 2024 بنسبة 0.4% وبلغ التضخم السنوي 2.5% وهو ضمن النطاق المستهدف. ينعكس اعتدال التضخم في كل من المكونات القابلة للتداول والمكونات غير القابلة للتداول من المؤشر. المؤشرات غير متغيرة الضرائب والطاقة والخضار والفواكه تقع قريباً من مركز الهدف. تشكل توقعات التضخم لمختلف النطاقات عنصراً هاماً في التحليل الذي نجريه لفحص العمليات النقدية. لقد زادت هذه التوقعات خلال الفترة، وهي ضمن الهدف ولكن عند حده الأعلى، وهي تأخذ في الاعتبار أيضاً الزيادات المتوقعة في الضرائب.
تقدر اللجنة وجود عدة مخاطر أساسية في هذه المرحلة قد تسرع من التضخم: تطور الحرب وتأثيرها على النشاط الاقتصادي، وانخفاض قيمة الشيكل، والقيود المفروضة على النشاط في قطاع البناء، والتطورات المالية وأسعار النفط في العالم. أشير إلى أن التضخم المرتفع يخلق صعوبات متزايدة للأسر والمصالح التجارية ويضر أولا وقبل كل شيء بالفئات الأضعف.
سأركز الآن على الجانب الحقيقي:
لا يزال مستوى النشاط الاقتصادي الإجمالي أقل مما كان عليه عشية الحرب، لكن النشاط الاقتصادي يتلاءم مع الوضع وقد أظهر انتعاشاً مطرداً في الأشهر الأخيرة. يستمر المؤشر المدمج لحالة النظام الاقتصادي والميزان الإجمالي لمسح الاتجاهات في الارتفاع، وقد عاد الإنفاق ببطاقات الائتمان في معظم القطاعات إلى مستويات ما قبل الحرب بل وتجاوزها. ومع ذلك، فإن التوسع في إجمالي العرض في النظام الاقتصادي أبطأ من توسع الطلب. وقد يؤدي هذا الوضع إلى ضغوط تضخمية.
قطاع البناء يشكل جزءاً كبيراً من النشاط الاقتصادي. عودة مواقع البناء إلى النشاط في ازدياد، لكن نشاطها لا يزال أقل مما كان عليه عشية الحرب ويتأثر بقلة العمال. على وجه الخصوص، يشكل استيعاب العمال الأجانب من الخارج عملية معقدة يتم تنفيذها تدريجياً ومن المتوقع أن تستغرق وقتاً طويلاً. وأؤكد مرة أخرى على ضرورة الحفاظ على ارتفاع المعروض من البناء على المدى البعيد من أجل ضمان استقرار أسعار الإسكان. أود أن أشير أيضًا إلى التحليل الذي قدمته شعبة البحوث والذي نشرناه قبل بضعة أيام في تقرير بنك إسرائيل، والذي يؤكد على أن تطبيق الابتكار في البناء في إسرائيل هو أمر ضروري، وتزداد ضرورته على ضوء المؤشرات التي تظهر أن الإنتاجية في قطاع البناء في إسرائيل منخفضة نسبياً مقارنة بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD. في الأشهر الأخيرة، شهدنا اعتدالاً في أجور الشقق، وانتعاشة معينة في حجم المعاملات في سوق الإسكان، وارتفاعاً للأسعار في الشهرين الأخيرين، بعد انخفاضها في الأشهر العشرة السابقة.
سأركز الآن على التطورات المالية:
منذ قرار السياسة النقدية السابق، حدثت تقلبات كبيرة في سوق الصرف الأجنبي بسبب تطورات الحرب وتطورات البيئة الجيوسياسية. في هذه الفترة، ضعف الشيكل مقابل الدولار بنحو 2.7٪ وسط تقلبات عالية، وانخفض مقابل اليورو بنحو 2.6% ومن حيث السعر الاسمي الفعلي بنحو 2.3%.
لا تزال هوامش الخطر في إسرائيل بناءً على قايسات CDS عند مستوى مرتفع، وارتفعت أكثر في الأيام الأخيرة على خلفية التوترات الجيوسياسية. ظل الفارق بين السندات الحكومية المقومة بالدولار والسندات الحكومية الأمريكية دون تغيير عند مستوى مرتفع نسبياً. كما كان لارتفاع مستويات عدم اليقين انعكاسات على شدة الضرر الذي لحق بالنشاط وبالمؤشرات المالية المختلفة.
بالمقارنة مع دول العالم، لا يزال أداء سوق الأوراق المالية في إسرائيل ضعيفًا، كما شهدت عائدات السندات الحكومية ارتفاعًا كبيرًا. وعلى نحو مماثل للاتجاه العالمي، تقلصت هوامش ربح سندات الشركات إلى حد كبير واستقرت عند مستوى أقل مما كانت عليه عشية الحرب. في سوق الائتمان، يستمر النشاط في التباطؤ. كما تشهد مؤشرات المخاطر في جميع قطاعات النشاط الائتماني ارتفاعاً معيناً، لكنها لا تزال ضمن مستوى منخفض نسبياً مقارنة بالعقد الماضي. بالإضافة إلى ذلك، تم تمديد برنامج تأجيل الدفعات الذي وضعته هيئة الرقابة على البنوك واعتمده الجهاز المصرفي من أجل التخفيف على المقترضين في هذه الفترة الصعبة، لمدة ثلاثة أشهر أخرى.
تم تحليل هذه التطورات وغيرها من قبل شعبة البحوث التي نشرت اليوم توقعات محدثة للاقتصاد الكلي. وتشير تقديرات الشعبة إلى أنه من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 2% في عام 2024 و5% في عام 2025، على غرار توقعات كانون ثاني. وتقوم هذه التوقعات على فرضية أن التأثير الاقتصادي المباشر للحرب سيستمر حتى نهاية عام 2024 مع انخفاض في حدته. بالنسبة لعام 2025، من المفترض أنه لا تكون هناك تأثيرات مباشرة أخرى للحرب. على غرار التوقعات السابقة، تفترض الشعبة أن القسم الأكبر من الحرب سيحدث على جبهة واحدة. من المهم التأكيد على أن عدم اليقين بشأن تطورات الحرب المختلفة قد يكون له تأثير ملموس على هذه التوقعات. ارتفع معدل التضخم وفق تقديرات الشعبة خلال العام 2024 بشكل طفيف عن توقعاتها السابقة ومن المتوقع أن يبلغ 2.7%. نتيجة للميزانية المعدلة، من المتوقع أن يرتفع العجز الاجمالي في الموازنة الحكومية لعامي 2024 و2025 مقارنة بالتوقعات السابقة بحوالي 1.7 نقطة مئوية، لسيصل إلى 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي و4.6% من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي. على ضوء هذه التغيرات، من المتوقع أن ترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهي أحد أهم المؤشرات المالية، إلى 67% في عام 2024، وأن تبقى عند ذلك المستوى خلال عام 2025 أيضًا.
بسبب الحرب، أظهر النظام الدفاعي احتياجات تتطلب زيادة كبيرة في حجم ميزانية الدفاع على المدى البعيد. وأدعو مرة أخرى إلى تشكيل لجنة مؤلفة من متخصصين أمنيين ومدنيين في أسرع وقت ممكن، لتتولى تحديد احتياجات إسرائيل الأمنية للسنوات المقبلة وصياغة خطة مناسبة لميزانية متعددة السنوات. وفي حال قررت الحكومة، بعد توصيات اللجنة، توسيع ميزانية الدفاع بما يتجاوز ما تمت الموافقة عليه في الميزانية الأخيرة، فمن المهم أن يكون ذلك مصحوباً بتعديلات موازية في الميزانية تمنع تطور مسار تصاعدي لنسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي.
أود أن أتطرق إلى قرار شركة التصنيف الائتماني الدولية "فيتش". تركت الشركة التصنيف الائتماني عند A+، لكنها غيرت توقعات التصنيف لإسرائيل إلى سلبية. أشير إلى أن دولة إسرائيل شهدت أزمات جيوسياسية في الماضي خلال فترات كانت فيها نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي أعلى بكثير من 67% ولم يكن هناك أي تأخير في سداد ديون إسرائيل. إن الاستمرار في انتهاج سياسة مالية مسؤولة للحكومة، والحفاظ على نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، والتي تعد رصيداً استراتيجياً لدولة إسرائيل، أمران مهمان لتعزيز ثقة الأسواق في الاقتصادي الاسرائيلي.
سأنتقل الآن لاستعراض التطورات في البيئة العالمية والتي نتأثر بها بشكل كبير باعتبارنا اقتصاداً صغيراً ومفتوحاً. في الولايات المتحدة، تشير البيانات الاقتصادية إلى أنه في عام 2024 أيضاً سيستمر النمو بما يتجاوز النمط المعتاد على الرغم من السياسة النقدية التقييدية. من ناحية أخرى، يستمر الضعف الاقتصادي في منطقة اليورو. تواصل معظم البنوك المركزية الرئيسية التلميح إلى مسار من الخفض التدريجي والحذر لأسعار الفائدة. في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، تركت البنوك المركزية أسعار الفائدة دون تغيير، ولمحت إلى تأجيل بدء عملية خفض أسعار الفائدة والتي لن تبدأ قبل النصف الثاني من العام تقريبًا، مما يخفف من توقعات السوق بشأن تطور أسعار الفائدة.
في الختام، أود أن أؤكد مرة أخرى أن الاقتصاد الإسرائيلي يتمتع بأسس متينة يمكنها أن تدعم استمرار عملية التعافي وتساعد على نمو الاقتصاد حتى خلال الفترة الصعبة التي تمر بها دولة إسرائيل. نحن في بنك إسرائيل سنواصل مساعدة الاقتصاد الإسرائيلي على تجاوز التحديات المختلفة المتوقعة التي سنواجهها.
بنك إسرائيل ولجنة النقد يشدان على أيدي الجنود وقوات الأمن الذين يخاطرون بحياتهم من أجلنا على مختلف الجبهات. ونتقدم بتعازينا إلى أهالي الضحايا، ونتمنى الشفاء التام للجرحى، ونصلي لعودة جميع المختطفين والمفقودين بسرعة. قلوبنا معكم.
شكرًا لكم