لعرض هذا البيان الصحفي كملف، اضغط هنا

صباح الخير للجميع،

 

يسعدني جداً أن أكون هنا اليوم - بشكل فعلي هذا العام ولحسن الحظ - وأن أفتتح المؤتمر السنوي لشعبة المعلومات والإحصاء، الذي يُعقد بمناسبة نشر التقرير السنوي "نظرة إحصائية لعام 2024".

هذا الحدث الذي أصبح تقليداً مهماً في بنك إسرائيل، هو فرصة للتوقف للحظة والتمعن في العام الاقتصادي المعقد الذي مر علينا، وتلخيص التطورات الرئيسية في النظام الاقتصادي كما تنعكس بدقة ووضوح في إحصاءاتنا المالية.

سأتناول في كلمتي اليوم ما مر به النظام الاقتصادي الإسرائيلي في العام الماضي، والتحديات المعقدة التي واجهناها في اتخاذ القرارات، والأهمية الحاسمة للبيانات في التعامل مع هذه التحديات، وسأختتم ببضع كلمات حول التحديات التي لا تزال أمامنا في المستقبل القريب.

لقد كان العام الماضي بلا شك أحد أصعب الأعوام التي شهدتها دولة إسرائيل على الإطلاق وأكثرها تعقيداً، من جميع النواحي الممكنة.

إلى جانب الخسائر الصعبة والمؤلمة بالأرواح والضرر النفسي الذي لحق بآلاف المدنيين والعسكريين، ما زلنا نعاني من ألم كبير يتمثل في قضية المختطفين، والذين لم يرجع بعضهم إلى بيوتهم حتى الآن.

بالإضافة إلى التكلفة البشرية الباهظة، جلبت الحرب التي بدأت في السابع من تشرين الأول معها صدمات اقتصادية كبيرة، لم نشهد حجمها أو نطاقها من قبل.

لقد دخل النظام الاقتصادي الإسرائيلي الأزمة الحالية معتمداً على نقاط قوة أساسية مهمة ــ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي منخفضة نسبياً، وميزانية أصول إيجابية ومستقرة، وقطاع قوي للتكنولوجيا الفائقة، وسوق عمل ضيقة ــ على الرغم من أن نقاط القوة هذه تراجعت إلى حد ما على خلفية التحديات التي ميزت عام 2023.

إن الأسس القوية للنظام الاقتصادي هي التي سمحت للاقتصاد الإسرائيلي بتقليص الضرر والحفاظ على استقراره حتى في مواجهة الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي جلبتها الحرب.

مع اندلاع الحرب في تشرين الأول 2023، واجه الاقتصاد الإسرائيلي صدمة حادة، مما أدى إلى حالة من عدم اليقين الاقتصادي الشديد وتقلبات عالية جداً في الأسواق المالية.

بناء على ذلك، ركزت السياسة النقدية في هذه المرحلة في المقام الأول على ضمان استقرار السوق والحفاظ على الأداء السليم للنظام المالي.

وتم تحقيق ذلك، من بين أمور أخرى، من خلال تدابير خاصة وغير مسبوقة اتخذها بنك إسرائيل، وفي مقدمتها خطة التدخل في سوق النقد الأجنبي.

من المهم بالنسبة لي أن أتناول هذا الخطة ببضع كلمات: فعلى النقيض من خطط التدخل التي كانت البنوك المركزية الأخرى تديرها في السابق، لم نضع سعر صرف محدداً نستهدفه.

بدلاً من ذلك، اتبعنا نهجاً مختلفاً ــ قدمنا ​​حزمة تدخل بقيمة 30 مليار دولار، وأوضحنا أن الهدف الرئيسي هو ضمان سلامة عمل السوق.

لقد فهم السوق، الذي كان على دراية تامة بالاحتياطيات العالية التي نمتلكها ــ أكثر من 200 مليار دولار ــ الرسالة بسرعة، وفي النهاية لم يكن مطلوباً منا سوى بيع نحو 8 مليارات دولار. يمكنكم التفكير في الأمر باعتباره نوعاً من QE-FX.

أستطيع أن أشارككم أيضاً بأن بنوكاً مركزية رائدة في دول أخرى تدرس بالفعل هذه الخطة، وهي مهتمة بالنهج الفريد الذي اتبعناه.

بالإضافة إلى ذلك، عملنا في بداية الحرب مع النظام المصرفي على صياغة خطة خاصة تضمنت تأجيل سداد القروض، وفي بعض الحالات حتى التنازل عن القسط الشهري لأفراد الخدمة الاحتياطية والسكان الذين تم إجلاؤهم من منازلهم في الشمال والجنوب. وهكذا، ورغم أن سعر الفائدة ظل دون تغيير، فقد تمكنا من تخفيف شروط التمويل بطريقة محددة وملاءمة خصيصاً للسكان الذين تأثروا بشكل خاص بالحرب.

في بداية عام 2024، وعلى ضوء الإشارات الأولية للاستقرار في الأسواق والتقييمات التي تشير إلى أن شدة الحرب تتجه نحو التراجع، تعزز التصور بأن التحدي الرئيسي الذي يواجه النظام الاقتصادي هو التأثير الكبير على الطلب.

لقد تم تجنيد مئات الآلاف من جنود الاحتياط بشكل مفاجئ مما ابعدهم عن حياتهم الروتينية، وتم إجلاء عشرات الآلاف من السكان من منازلهم في الشمال والجنوب، وانخفض الاستهلاك الخاص، وهو المحرك الرئيسي للاقتصاد، بشكل حاد، وكان مستوى عدم اليقين مرتفعاً.

في ظل هذه الظروف، وفي إطار محاولة دعم الاقتصاد والسماح له بالبدء بالتعافي، وعلى ضوء تراجع حدة الحرب في تلك المرحلة، قررت اللجنة في بداية عام 2024 خفض سعر الفائدة.

مع حلول عام 2024، أصبحت الصورة الاقتصادية أكثر تعقيداً. وتزايدت حدة الحرب مرة أخرى، ونتيجة للتطورات الجيوسياسية، ارتفعت أيضا علاوة المخاطر بشدة.

في الوقت نفسه، أصبحت قيود العرض أكثر وضوحاً، وتمثلت بشكل رئيسي في النقص الحاد في اليد العاملة بسبب عدم دخول العمال الفلسطينيين والتجنيد الطويل وواسع النطاق لقوات الاحتياط.

تأثرت العديد من القطاعات، وخاصة قطاع البناء، الذي عانى من تأخر المشاريع وارتفاع كبير في التكاليف.

في ظل هذا الواقع، حيث أصبحت قيود العرض مسألة مركزية، قامت السياسة النقدية ــ والتي تعمل بشكل رئيسي على جانب الطلب ــ بتكييف نفسها: فلم يعد خفض أسعار الفائدة فعالاً. ويرجع ذلك إلى أن زيادة الطلب دون القدرة على الانتاج والتوريد من شأنه أن يؤدي بالأساس إلى ضغوط تضخمية، دون أي فائدة حقيقية للنشاط.

إضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع علاوة المخاطر بسبب التطورات الجيوسياسية تطلّب الحفاظ على بيئة أسعار فائدة مرتفعة.

بناء على ذلك، واصلت اللجنة النقدية انتهاج سياسة منضبطة ومتوازنة.

كما تعلمون، فإن بنك إسرائيل، بالإضافة إلى إدراته للسياسة النقدية، يقوم أيضًا بدور المستشار الاقتصادي للحكومة، على عكس معظم البنوك المركزية في العالم.

لقد أظهر العام الماضي مدى أهمية هذا الدور ومركزيته في عملنا.

على مدى سنوات عديدة، كان الانطباع السائد في إسرائيل هو أن الأزمات الاقتصادية لا تتطلب تدخلاً مالياً سريعاً وكبيراً أثناء الأزمة نفسها.

وهذا ما حدث في أزمة بدايات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في أعقاب أزمة الـ"دوت كوم" والانتفاضة الثانية، وكذلك الأمر في الأزمة المالية العالمية عام 2007. وفي كلتا الأزمتين، فضّلت الدولة تعويض المتضررين بأثر رجعي فقط بعد انتهاء الأزمة.

لكن في أزمة كورونا، طبقنا في بنك إسرائيل مفهوماً جديداً: هناك مواقف تتطلب مساعدة مالية فورية وواسعة النطاق لتوفير اليقين للأسر والشركات، ومنع الأضرار طويلة الأمد بالنظام الاقتصادي.

لقد طبقنا هذا المفهوم خلال الحرب الحالية أيضاً. لقد ساعدت التسهيلات المالية الكبيرة والفورية، في توفير اليقين والأمان لجميع اللاعبين في النظام الاقتصادي وساعدت في تجاوز هذه الفترة المعقدة.

كما هو الحال في أي مجال من مجالات الاقتصاد، لا توجد خدمات مجانية. وسوف يتوجب سداد هذه المساعدات المالية في المستقبل، وعلى ضوء الزيادة الكبيرة في الإنفاق الدفاعي الحالي والمتوقع، أوصينا الحكومة باتخاذ تدابير وتعديلات كبيرة.

تم اعتماد بعض هذه التدابير ضمن ميزانية 2024، لكن الجزء الرئيسي منها، والذي يصل إلى نحو 30 مليار شيكل، تم تضمينه في ميزانية 2025.

لقد ساهمت هذه التعديلات الهامة في تعزيز مصداقية السياسة الاقتصادية الإسرائيلية في نظر الأسواق الدولية وعززت استقرار النظام الاقتصادي.

كما ذكرت في الماضي، فإلى جانب التدابير والتعديلات المالية المهمة، كان هناك مجال لتغيير تركيبة الميزانية بحيث تشمل بشكل أكثر وضوحاً محركات النمو، وخطوات لتحسين إنتاجية العمل ــ مع التركيز على الاستثمار الأهم في نظام التعليم، وخفض النفقات التي لا تساهم بشكل كاف في إمكانات النمو الاقتصادي في المستقبل، والحد من الحوافز السلبية للخروج للعمل.

من بين التحديات العديدة التي رافقتنا طوال العام، كان الارتفاع الحاد في علاوة المخاطر في الاقتصاد الإسرائيلي والذي كان ملحوظاً بشكل خاص.

هذا الارتفاع الذي برز بشكل حاد فور اندلاع الحرب، ظل متقلباً طوال العام، ثم اعتدل بشكل كبير في نهاية النصف الثاني من العام، من بين أمور أخرى، على ضوء الوضع في الشمال وموافقة الحكومة على الميزانية بعد التعديلات اللازمة.

للتعامل مع كل هذه التحديات بفعالية، كان من الضروري أن نحصل على بيانات عالية الجودة وموثوقة ودقيقة في الوقت الفعلي.

هنا، لعبت شعبة المعلومات والإحصاء دوراً محورياً - سواء في توفير المعلومات الاقتصادية والمالية الضرورية بشكل مستمر لاتخاذ القرارات في البنك، أو في تطوير وتوسيع الأدوات الرقمية المتطورة لعامة الناس.

لقد ساعدنا هذا العمل على اتخاذ قرارات اقتصادية أكثر استنارة، وفي الوقت نفسه عززنا ثقة الجمهور والجهات الفاعلة في السوق المالية في قدرتنا على التعامل مع الأزمة.

لقد أتاحت لنا هذه البيانات تحديد التغيرات في الوضع الاقتصادي في الوقت الحقيقي، وتعديل السياسات بسرعة ودقة أكبر، واتخاذ قرارات مستنيرة في مواجهة الحقائق المتغيرة.

بكلمات أبسط، كانت البيانات في مثل هذا العام المعقد بمثابة أداة أساسية سمحت لنا بالتعامل مع حالة عدم اليقين العالية - ولعبت شعبة المعلومات والإحصاء دوراً محورياً في توفيرها.

لكن البيانات لا تهم صناع القرار فحسب، بل الجمهور بأكمله.

في هذا السياق، تم في إطار الإصلاحات الاستهلاكية التي عملنا عليها في البنك خلال السنوات الأخيرة، تطوير مجموعة واسعة من لوحات المعلومات الرقمية للجمهور، توفر هذه اللوحات مقارنات بين أسعار الفائدة بين البنوك المختلفة على الائتمان والودائع، واستطلاعات رأي حول الرضا عن البنوك، ومعطيات حول تقاريرها المالية، وأدوات إضافية تساعد الجمهور على اتخاذ قرارات مالية مستنيرة.

حظيت هذه التدابير مؤخراً بإشادة دولية مهمة، حيث فاز بنك إسرائيل بجائزة مرموقة للشفافية وإتاحة المعلومات المصرفية عالية الجودة. وتلعب شعبة المعلومات والإحصاء دوراً هاماً ومركزياً في هذا الإنجاز.

يربطنا كل هذا بشكل مباشر بالغرض الذي اجتمعنا من أجله اليوم – المؤتمر السنوي ونشر تقرير "نظرة احصائية".

على مدار اليوم، سيتم تقديم مراجعات مهنية ومتعمقة تلخص التطورات الاقتصادية الرئيسية لعام 2024، مع التركيز بشكل خاص على محفظة الأصول المالية المملوكة للجمهور، واتجاهات الديون في النظام الاقتصادي، والنشاط الحقيقي، والتغيرات في سوق النقد الأجنبي.

بالإضافة إلى ذلك، يتضمن تقرير "نظرة احصائية" عدداً من التحليلات المهمة والمثيرة للاهتمام، بما في ذلك تحليلات حول أنماط الادخار والاستثمار لدى الأسر، والتطورات في مؤشرات الأسهم والسندات، والاستثمارات الأجنبية في إسرائيل، واتجاهات سوق العمل الإسرائيلي.

في الختام، أود أن أتقدم شخصياً بشكر خاص لجميع العاملين في شعبة المعلومات والإحصاء.

إن مساهمتكم ضرورية جداً لنشاطنا الاقتصادي، وأنا أقدر بشدة عملكم المهني والدقيق والمهم.

أتمنى لنا جميعاً مؤتمراً مثمراً ومفيداً وممتعاً.

ونتمنى جميعاً عودة الأمن والسلام، وعودة المختطفين والمختطفات، والنجاح لكافة قوات الأمن.

 

شكراً جزيلاً.