لرؤية هذه الرسالة كملف اضغط هنا
تحدث نائب محافظ بنك إسرائيل السيد أندرو أفير في مؤتمر "محركات النظام الاقتصادي الإسرائيلي" الذي نظمته صحيفة "غلوبس". العرض الذي قدمه نائب المحافظ مرفق بهذا الإعلان. فيما يلي العناوين الرئيسية لكلمته:
في الخطاب العالمي حول العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDC)، هناك الكثير ممن يدعون بأن CBDC ليست أكثر من مجرد حل تكنولوجي. أرغب بالحديث اليوم عن مواضيع قد يساعد الشيكل الرقمي في تطويرها.
ربما لن أفاجأ أحداً إذا قلت أنه في العديد من دول العالم، وكذلك في إسرائيل، لا تحظى البنوك التجارية بشعبية لدى الجمهور. كانت الأزمة المالية العالمية التي اندلعت عام 2008 وتبعاتها على الوضع المالي للملايين حول العالم مصدراً لجزء كبير من هذا الغضب، لكن كما نعلم، كان أداء البنوك في إسرائيل استثنائياً مقارنة ببقية البنوك في العالم، وكانت قوتها عاملاً أساسياً في تغلب إسرائيل على تلك الأزمة. في إسرائيل، يعود جزء من الغضب الموجه إلى النظام المصرفي إلى الحاجة إلى زيادة المنافسة في بعض القطاعات.
على مر السنين، قام الجهات التشريعية والتنظيمية، ومنها بنك إسرائيل بالطبع، باتخاذ العديد من الخطوات لزيادة المنافسة في النظام المصرفي. بعض الإجراءات كانت تنظيمية، مثل فصل شركات بطاقات الائتمان عن البنوك، وتسهيل إنشاء بنوك جديدة، وإلزام البنوك بتوحيد عرض بطاقة الهوية المصرفية للزبائن، وغيرها. بينما تضمنت الخطوات الأخرى اعتماد تقنيات متقدمة أو مشاريع تكنولوجية كبيرة منها إتاحة الإمكانية لفتح حساب عن بعد باستخدام تقنيات التعرف عبر الفيديو، وإنشاء نظام للانتقال من بنك إلى آخر بنقرة واحدة، وإنشاء قاعدة بيانات الائتمان في بنك إسرائيل، وجميع هذه الخطوات أصبحت متاحة بالفعل. كما توجد هناك مشاريع أخرى قيد التنفيذ لتشجيع المنافسة مثل الخدمات المصرفية المفتوحة وربط المؤسسات غير المصرفية بأنظمة الدفع. كان لكل خطوة من هذه الخطوات أثر في تحسين الوضع التنافسي. ومع ذلك، لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه.
في العامين الماضيين، أبدى الجمهور اهتماماً بمجال كان أقل أهمية بكثير في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة - وهو الودائع. إن الزيادة في سعر الفائدة في بنك إسرائيل، والتي أقررناها للتعامل مع الزيادة في التضخم، تحولت بسرعة كبيرة وبشكل كامل إلى فائدة على الائتمان، ولكن الانتقال إلى سعر الفائدة على الودائع، وخاصة الودائع قصيرة الأجل للأسر، كان جزئياً وبطيئاً. إن بطء عملية الانتقال من الفائدة إلى الودائع كان عملية سبق أن رأيناها في أنحاء أخرى في العالم، بل وبشدة أكبر أحياناً.
لماذا يستغرق اعتماد الصناديق المالية من قبل الجمهور وقتاً طويلاً نسبياً؟ قد تكون هناك عدة أسباب، بعضها تقني. لكن في رأيي أحد الأسباب الرئيسية هو عدم الشعور بالأمان. ورغم مشاعر الغضب التي وصفتها في البداية، إلا أن الجمهور يعرف البنوك ويثق بها ويشعر بالأمان في الاحتفاظ بأمواله لديها. وهذا بالطبع وضع جيد ومهم، وهو نتيجة لجودة إدارة البنوك والرقابة الدقيقة عليها. ولكن لهذا الوضع أيضاً تأثيرات سلبية على رغبة الجمهور في إيداع أمواله لدى مؤسسات أخرى، وهذا له أيضاً تأثير على تطور المنافسة.
ولذلك يُطرح السؤال - هل هناك مزيج قادر على تحقيق الهدفين معاً؟ هل يمكن للتكنولوجيا أن تتيح لنا أن نقدم للجمهور منتجًا غير الوديعة البنكية يتمتع بمستوى مخاطرة أقل حتى من ذلك الموجود في الحساب البنكي، مع مستوى عالٍ من الثقة من الجمهور، وبالتالي خلق game-changer في المنافسة في النظام المالي؟
المنتج الذي أتحدث عنه هو بالطبع الشيكل الرقمي. دعونا نذكر أولاً ما هو الشيكل الرقمي؟ الشيكل الرقمي هو التزام على بنك إسرائيل تجاه الجمهور - وبهذا المعنى فهو يشبه النقد الذي لا تنطوي حيازته على مخاطر ائتمانية. وهذا، على عكس الإيداع في البنك أو في محفظة الدفع الذي ينطوي على مخاطر قليلة ولكنها موجودة. من ناحية أخرى، فإن الشيكل الرقمي هو... رقمي، وبالتالي فهو يشبه إلى حد ما الأموال التي نحتفظ بها في الحساب البنكي.
من المهم التوضيح أنه على الرغم من الاسم، فإن الشيكل الرقمي يختلف تمامًا عن جميع أنواع المنتجات التي يطلق عليها في السنوات الأخيرة "عملات رقمية". خاصة "العملة الرقمية" الأكثر شهرة - البيتكوين. إذ لن يتم تطوير الشيكل الرقمي بواسطة ساتوشي ناكاموتو الذي لا يعرفه أحد. سيعرف الجميع بأن البنك المركزي هو من يقف وراء الشيكل الرقمي ومن يتحمل المسؤولية عنه، وهو نفس بنك إسرائيل الذي يقف وراء الأموال النقدية التي نعرفها ونثق بها جميعاً. هناك اختلاف رئيسي آخر وهو أنه على عكس البيتكوين وغيره والذي يمكن أن تتغير قيمته بنسب مئوية كاملة وأحياناً حتى بعشرات النسب المئوية في غضون أيام قليلة - فالشيكل دائماً هو شيكل. سيكون الشيكل الرقمي دائمًا مساوياً للشيكل النقدي الذي يساوي دائماً الشيكل في الحساب البنكي. سيتم دائماً الحفاظ على القوة الشرائية للشيكل الرقمي لأن بنك إسرائيل يحافظ طوال الوقت على هدف التضخم - وإذا لزم الأمر، وبإصرار، كما فعلنا في العامين الماضيين عندما ارتفع التضخم.
كيف يمكن للشيكل الرقمي أن يساعدنا في تعزيز المنافسة؟
أولاً، كلما تقدمنا في مراحل إصدار الشيكل الرقمي، ستعود الأموال التي يصدرها بنك إسرائيل إلى جميع مجالات حياتنا. في السنوات الأخيرة، أصبح الاقتصاد رقميًا أكثر فأكثر، وهناك أنواع كثيرة من المعاملات التي لا يمكن ببساطة دفع ثمنها بالنقود الصادرة عن بنك إسرائيل - على سبيل المثال - معاملات التجارة الإلكترونية e-commerce. لعب المال النقدي الذي يصدره بنك إسرائيل دوراً في المنافسة بين وسائل الدفع المختلفة، لكن دوره كان يتآكل بسبب دونيته التكنولوجية. سيسمح لنا الشيكل الرقمي بالدفع بأموال بنك إسرائيل في أي مكان وفي أي معاملة نختارها. وبهذه الطريقة، سيتمكن بنك إسرائيل من العمل مرة أخرى على ضمان زيادة المنافسة بين وسائل الدفع المختلفة.
سيكون الشيكل الرقمي بمثابة منصة للابتكار. الجهات الوحيدة التي يمكنها الوصول إلى الأموال الرقمية لبنك إسرائيل اليوم هي البنوك، على الرغم من أننا نفتح تدريجياً إمكانية الوصول إلى حسابات بنك إسرائيل للمؤسسات غير المصرفية أيضاً. الأموال المتاحة للجمهور بأكمله - النقد - يتم توزيعها على الجمهور من خزائن بنك إسرائيل عن طريق البنوك أولاً. سيعمل الشيكل الرقمي في نموذج من مستويين (two tier)، مع مجموعة واسعة من المؤسسات التي يمكن أن تعمل كمقدمة لخدمات الدفع أو كمقدمة لخدمات إضافية قائمة على الشيكل الرقمي. في الواقع، سيجعل بنك إسرائيل المنصة التي سيبنيها متاحة ليس فقط للبنوك، كما يفعل اليوم، ولكن أيضاً لشركات الدفع الأخرى، وشركات التكنولوجيا المالية، ونوادي المستهلكين، وغيرها. ستتيح لنا هذه المؤسسات أيضاً تطبيقات الدفع البسيطة التي نعرفها اليوم، وستكون أيضاً قادرة على تطوير استخدامات use cases متقدمة ومبتكرة، على سبيل المثال في عوالم Delivery vs. Payment التي يمكنها أن تقلل المخاطر وتخلق مجموعة واسعة من الأنشطة الجديدة في الاقتصاد الرقمي. سيكون من الضروري مراقبة هذه الهيئات، لكن الرقابة المالية عليها ستكون أسهل من الرقابة على المؤسسات القائمة، لأنها لا تملك بشكل فعلي أموال الجمهور - الموجودة في بنك إسرائيل. وبهذه الطريقة، سيساهم الشيكل الرقمي أيضًا في تعزيز المساهمة في الابتكار والمنافسة.
في هذا السياق، يسعدني أن أعلن هنا اليوم عن عزمنا إطلاق مشروع مهم آخر خلال الأسابيع المقبلة، وهو جزء من عملية دراسة الجدوى التي أجريناها في البنك في السنوات الأخيرة لدراسة إصدار عملة رقمية. سيكون المشروع مستوحى من مشروع "Rosalind" الذي ينفذه مركز الابتكار BIS Innovation Hub. في هذا المشروع، سنقوم ببناء "صندوق حماية" يعتمد على واجهة (API) وندعوكم - المؤسسات المالية، وشركات التكنولوجيا المالية، وندعو في الواقع أي شخص يرغب بذلك - إلى تطوير use-cases متقدمة ومبتكرة ستساعدنا على فهم كيفية تصميم مشروع الشيكل الرقمي بشكل صحيح بحيث يمكنه دعم use cases هذه. نحن نعمل حاليًا على بناء النظام ونعتزم الإعلان عن المشروع رسمياً في الأسابيع المقبلة، وكما يقولون - STAY TUNED.
لن تقتصر الفائدة المحتملة للشيكل الرقمي في تعزيز المنافسة في مجال الدفعات فقط. إذ يمكن أن يكون للشيكل الرقمي تأثير على المنافسة في عالم الودائع، وهو ما تحدثت عنه في البداية. اليوم، يستطيع عامة الناس الاحتفاظ بأموالهم بشكل شبه حصري في البنوك. إن قدرة الجمهور على الاحتفاظ بجزء من أمواله بالشيكل الرقمي قد تجعل البنوك ترغب في تحفيز الجمهور على الاحتفاظ بأمواله لديهم - إما عن طريق دفع فوائد على الحساب الجاري أو فوائد أعلى على الودائع، أو توفير قيم مضافة أخرى مثل الخدمة الأفضل، والتكنولوجيا الأفضل، وغيرها. إذا لم يكن هذا كافيًا، فيمكننا التفكير في إمكانية تصميم الشيكل الرقمي الذي سيصدره بنك إسرائيل بشكل يتيح دفع الفائدة على ممتلكات الجمهور من الشيكل الرقمي بشكل مباشر. إذا كان بنك إسرائيل يقوم اليوم بتحديد سعر الفائدة في النظام الاقتصادي، وكانت المنافسة بين البنوك تحدد مدى استفادة الجمهور من سعر الفائدة هذا، فإن مثل هذه الآلية يمكن أن تسمح لبنك إسرائيل بالتأثير بشكل مباشر على درجة الانتقال، وبالتالي زيادة المنافسة في سوق الودائع أيضاً. بطبيعة الحال، يجب دراسة هذه الأمور وتصميمها بعناية فائقة على ضوء تأثيراتها المحتمل على العمليات المختلفة في النظام المالي. وهذا هو السبب وراء قيامنا بإجراء العديد من الاختبارات ودمج عدد لا بأس به من الجهات المتخصصة من إسرائيل والعالم في عمليات التفكير والتخطيط.
في الختام، أود أن أوضح: مثل البنوك المركزية في جميع الاقتصادات المتقدمة، لم يتخذ بنك إسرائيل بعد قراراً بشأن إمكانية إصدار الشيكل الرقمي. مشروع الشيكل الرقمي هو "خطة عمل" دورها في هذه المرحلة هو السماح لنا بالاستعداد لإصدار الشيكل الرقمي عندما يكون ذلك ملائماً وضرورياً. رسالتي إليكم اليوم هي أن مسألة المنافسة في النظام المالي وكيفية تعزيزها بواسطة التكنولوجيا، هي ركيزة أساسية في تفكيرنا بشأن تصميم الشيكل الرقمي.