عقد مؤخرًا مؤتمر ايلي هوروفيتش والذي يعنى بتحديد السياسات المطلوبة اليوم لتحقيق الأهداف في العقود الآتية في المجالات المؤثّرة على مستوى الحياة والمساواة وجودة الخدمات العامّة ومستوى البنى التحتيّة وغيرها. وتمحور المؤتمر لهذا العام حول انقضاء عقد لطرح خطة "إسرائيل 2028- رؤية واستراتيجية اقتصادية- اجتماعية في ظل العولمة" والتي كان قد صاغها طاقم برئاسة ايلي هوروفيتش وبإدارة دافيد برودت، مع عدّة شركاء. وبمناسبة مرور عقد من السنوات على طرح الخطة فقد خصّص المؤتمر لهذا العام لمناقشة هل عملت الحكومات منذ ذلك الحين بما يتوافق مع الرؤية التي تضمنتها الخطة وهل تمّ تحويلها لخطة عمل قابلة للتطبيق وأين وصلنا في تحقيق الأهداف التي حدّدتها الخطة.  

وذكرت المحافظة أنّ أحد المجالات التي تمّ التشديد عليها في خطة 2028 هو الحاجة إلى خطة اصلاحيّة في مجال التربية والتعليم من جيل الطفولة المبكرة إلى نهاية المرحلة الثانوية والتعليم العالي، وكذلك دمج الحريديم والعرب والمناطق البعيدة عن المركز بالنشاط الاقتصادي. كما تطرّقت الخطة إلى المخاطر التي تكمن في تطوّر جهاز اقتصادي مزدوج، والذي يوجد فيه، من ناحية، اقتصاد متطور ومتقدّم جدًّا من حيث الابتكار والتكنولوجيا يتمتع بإنتاجية عالية وقادر على مواجهة تحدّيات العولمة ويشغّل 9% من مجمل العمال في الجهاز الاقتصادي، وإلى جانبه قطاعات اقتصاديّة تقليديّة تمتاز بالإنتاجيّة والنمو المنخفضان. كما أشارت الخطة إلى أنّ الفجوات في الدخل في إسرائيل هي من بين الأعلى في الدول المتطوّرة، وهذا من شأنه شرذمة المجتمع ومنع استنفاذ النمو الاقتصادي. ولا تزال هذه المواضيع بمثابة تحدٍ كبير أمام السياسات لغاية اليوم.  

ورغم أنّ الخطة ذاتها لم يتم تبنيها كخطة حكوميّة، الا أنّها كانت بمثابة مصدر الهام للعمل الاستراتيجي المتعمّق الذي نفذ من قبل الحكومة في أعقابها. وفي حزيران من العام 2015، تبنّت الحكومة تقديرات استراتيجيّة اقتصادية- اجتماعيّة للوضع، وحتى تمّت المصادقة بعدها على مجموعة من القرارات الحكومية التي تحدّد توجهات العمل. القضايا الاستراتيجيّة التي حدّدت تشمل: تنمية واستنفاذ رأس المال البشري، الانتاجيّة والمنافسة، البنى التحتيّة التمويليّة، الإسكان، التطوير الاقتصادي الإقليمي، الاستعداد لتقدّم السكان في العمر و"إسرائيل ديجيتالية".  

ويتضح من تحليل تنفيذ بنود القرارات الحكوميّة في المجالات المختلفة والذي أجري من قبل المجلس القومي للاقتصاد أنّ الصورة ايجابيّة بخصوص تنفيذ غالبية القرارات. ويدور الحديث تحديدًا حول قرارات لخلق الأطر ومراحل العمل مثل إقامة طواقم عمل، عرض وصياغة خطط عمل وتقديم التقارير حول التقدّم في العمل في مختلف المنابر. وبالطبع فانّ الاختبار الأهم سيكون في صياغة وتنفيذ خطط عينيّة وتحقيق الأهداف، ومن المبكّر في هذه المرحلة تقدير مستوى التنفيذ. 

ومن ضمن القضايا التي تتطلب خطة استراتيجيّة والتي شملها القرار الحكومي من عام 2015: رأس المال البشري، علمًا أنّ خطّة 2028 تطرّقت إلى مركب التربية والتعليم والتأهيل المهني كمركّب هام، على ضوء التحصيل المنخفض والفجوات في العلامات وفي الكفاءات اللازمة لسوق العمل والتي تتضح كل مرّة من خلال اختبارات PISA و-PIAAC.

وقد حدّدت وزارة التربية والتعليم تحت قيادة وزراء مختلفين، أهدافًا مختلفة وتمّ التركيز على قضايا مختلفة في كل فترة. هذه التغييرات في سلم الأفضليات والمفاهيم واستراتيجيات العمل تضمنت تغييرات في الميزانيّات في كل مرّة يتسلم فيها وزير جديد المنصب، الأمر الذي صعّب من تطبيق خطط العمل بصورة ناجعة. 
ومثال آخر لقضيّة إضافية تستوجب خطة استراتيجية يتم تطبيقها على مدار سنوات عديدة هو مجال الإسكان. ففي أيّار من العام 2017 تمّ نشر الخطة الاستراتيجيّة في مجال الإسكان تحت قيادة مديريّة التخطيط والمجلس القومي للاقتصاد. ومن ضمن أهداف الخطة تمكين هيئات التخطيط من اتاحة بناء 1.5 مليون شقة في السنوات 2014-2040. وتواصل مديريّة التخطيط تنفيذ القرار من خلال وضع برامج عمل مفصّلة وتحديد البنى التحتيّة المطلوبة ومناطق التشغيل والصناعة التي من شأنها الاستجابة لاحتياجات السكان في المناطق التي ستبنى مستقبلا.  

ويرجّح أنّه لو كان قد تمّ تطبيق خطة استراتيجية في مجال الإسكان في بداية سنوات الالفين كان سيساهم ذلك في خلق احتياطي تخطيطي كبير وتمكين واضعي السياسات من معالجة الارتفاع السريع في الطلب على الشقق في عام 2007 بشكل أنجح. 
ومثال أخير يدل بالأساس على الصعوبة في تطبيق الخطة الاستراتيجيّة هو في مجال المواصلات العامّة، ويشار إلى أنّ المستوى والجودة المنخفضين للبنى التحتيّة للمواصلات العامة هو أحد العوامل التي تعيق الانتشار الجغرافي للسكان وتؤثر سلبًا على الإنتاجية والنّمو. ومن أجل معالجة ذلك اتخذت الحكومة بعض القرارات بشأن برامج استثماريّة طويلة الأمد في البنى التحتية للمواصلات العامّة والتي تهدف إلى تحسين وتوسيع شبكة الشوارع والمواصلات العامّة، من بينها "نتيفي يسرائيل"، القطارات السريعة في القدس وتل أبيب، وخط القطار بين تل أبيب والقدس. تعقّب تنفيذ هذه الخطط يظهر المشاكل العديدة التي واجهت عمليّة التنفيذ. فقط جزء من الخطط يصل إلى مرحلة التنفيذ، والغالبية لا تتقيّد بالجدول الزمني المحدّد. هذا التأخير يمس في القدرة على تخطيط أماكن السكن والعمل.  


وخلصت المحافظة إلى أنّ هنالك عدم توافق بنيوي وطبيعي ما بين تنفيذ الأجندة وسلم الأفضليات للحكومة المنتخبة وبين السياسات التي ترتكز على رؤية بعيدة الأمد وخطط استراتيجيّة. من ناحية فانّ تخطيط وصياغة وتطبيق خطط استراتيجيّة لتحقيق أهداف بعيدة المدى هي شرط أساسي من اجل التقدّم بشكل متّسق في تحقيق الأهداف التي تؤثّر على التطوير الاقتصادي والاجتماعي، ومن ناحية أخرى، بطبيعة الحال، فانّ كل حكومة منتخبة تكون معنيّة بالتأثير على السياسات وترك بصمتها. هذا الأمر يكون ملموسًا أكثر في الحكومة التي تعتمد على ائتلاف سهل الانحلال، حكومة كهذه تميل بشكل طبيعي إلى اتخاذ قرارات تتركز في الإنجازات قصيرة المدى عوضًا عن تبني المسار الاستراتيجي الذي تمّ تشكيله في الحكومة السابقة ويمكن قطف ثماره، ربما، فقط من قبل الحكومة القادمة.   

اختبار العمل الاستراتيجي للحكومة يكون في تطبيق خطط العمل المنبثقة عن الخطة الاستراتيجيّة والاستمرارية في تطبيقها على عدّة دورات لحكومات مختلفة. ويجب أن تعتمد الخطط على قاعدة معرفية واسعة، وفي هذا السياق فانّ دور بنك إسرائيل كهيئة استشارية مهنية ومستقلة هو في غاية الأهميّة، وكذلك يجب أن تعتمد على عمل ذي جودة عالية في الوزارات المختلفة. ولهذا الغرض هنالك أهميّة كبيرة لتعزيز استقرار الطواقم المهنيّة لضمان الاستمرارية والرؤية بعيدة الأمد. ​
​​​​