عقدت في بنك إسرائيل في اليومين الأخيرين مناقشات اللجنة النقدية بهدف اتخاذ القرار بشأن السياسة النقديّة. على ما يبدو فانّنا في بداية نهاية الموجة الرابعة للكورونا، وحتى الآن، اجتزنا هذه الموجة دون إغلاق وتقييدات مشدّدة على النشاط، الأمر الذي حال دون الحاق الضرر الكبير بالاقتصاد. قطاع الأعمال قد أبلغ عن تحسّن الوضع، التصدير والاستيراد يواصلان تقدّمهما بمستويات عالية جدًّا. أيضًا الفروع الاقتصادية التي ينطوي عليها تقارب جسدي وكانت قد تضرّرت بصورة قاسية جدًّا جرّاء الأزمة، سجّلت في الأشهر الأخيرة ارتفاعًا في مشتريات الجمهور ببطاقات الائتمان. مع ذلك، في حين ساد الاعتقاد عند الخروج من الموجة الثالثة أنّ الجهاز الاقتصادي سيخرج من الأزمة بطريقة سلسة، فانّنا نستنتج بعد الموجة الرابعة أنّ هناك احتمالات متزايدة للدورية في تطوّر المرض وانتشار الفيروس أيضًا على المدى المتوسط.  

ينمو الجهاز الاقتصادي الإسرائيلي بوتيرة أسرع ممّا كان متوقع. نحن نشهد ذلك من خلال تحديث معطيات النشاط والتوقعات باتجاه الأعلى، وأيضًا من خلال التحديث الكبير الذي أجرته دائرة الإحصاء المركزية في معطيات النمو التاريخيّة. ويشير هذا التحديث إلى طاقات نمو أعلى للجهاز الاقتصادي. يعتبر هذا تطوّر كبير على مستوى الاقتصاد الكلي، ويطرح السؤال ما اذا كنّا سننجح في الحفاظ على استمرارية مستويات النمو التي تصل إلى أربعة بالمئة سنويًّا على مرّ الوقت. وسيتأثر ذلك بالتطورات المختلفة مثل استمرار تطوّر الهايتك، وتطوّر رأس المال البشري والانتاجيّة ودمج الفئات السكانية في سوق العمل وغيرها.

ويواصل سوق العمل أيضًا التقدّم، وإن كان بشكل أبطأ قليلاً. ويستمر معدل البطالة بالانخفاض منذ انتهاء الإغلاق الثالث، ومعدل التشغيل بالارتفاع. إلى جانب ذلك، هناك ارتفاع في الوظائف الشاغرة في ظل النمو السريع في الناتج، وهي ظاهرة تميّز الدول المتقدمة الأخرى إلى جانب إسرائيل. وتؤدي الاحتكاكات في سوق العمل إلى إشغال الوظائف الشاغرة بوتيرة بطيئة نسبيًا، بسبب الصعوبة في عملية التأهيل المهني، بالإضافة إلى أسباب أخرى. وبناءً عليه من الممكن أن نجد أنفسنا في نهاية العملية في حالة توازن ذات معدل بطالة بنيوية أعلى مما كان عليه قبل الأزمة.

أصدر قسم الأبحاث في البنك اليوم توقعات الاقتصاد الكلي المحدّثة. ووفقًا للتوقعات، سينمو الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 7٪ في عام 2021، وهو أعلى مما كان متوقعًا في التوقعات السابقة. وفي عام 2022، من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 5.5٪. ومن المتوقع أيضًا أن يستمر التضخم في الارتفاع هذا العام، ولكن سيظل ضمن النطاق المستهدف ويصل إلى 2.5% في نهاية عام 2021.

ونظرًا لأن بعض أسباب الارتفاع في التضخم قد تكون مؤقتة، كما سأفصل أدناه ، فمن المتوقع أن ينخفض التضخم ​​إلى 1.6 ٪ بحلول نهاية عام 2022. ومن المتوقع أن يستمر معدل البطالة الواسعة بالانخفاض خلال الفترة حتى أكثر مما كان مقدّرًا في التوقعات السابقة وأن يصل إلى 5.2٪ في نهاية عام 2022. يتمثل الخطر الرئيسي للتوقعات في ظهور موجات مرضية إضافية تتطلب قيودًا كبيرة على النشاط. ​​هذا السيناريو يمكن أن يقلّص النمو في عام 2022 بنقطة مئوية واحدة. كما أنّ المخاطر الإضافية للتوقعات هي عدم

 

 ن التضخم خارج البلاد في الفترة القريبة، وما إذا كانت ستستمر الصعوبات في العرض لفترة أطول من المتوقع. بالمقابل، فانّ عدم اليقين المالي قد انخفض، وسينخفض حتى أكثر من ذلك بعد المصادقة على ميزانية الدولة.

بعد أن قامت البنوك المركزية في العالم على مدار فترة طويلة بالتركيز على استقرار الأسواق المالية واجتياز الأزمة ودعم النشاط الاقتصادي، عادت قضية التضخم مرة أخرى لتكون قضية مهمة تشغلنا نحن وصانعي السياسات النقدية في العالم. والسؤال المركزي في هذا السياق هو: ما هو مقدار التضخم المؤقت وما هو المقدار الذي يتوقع أن يستمر لفترة طويلة؟

إن انتعاش الاقتصاد العالمي، وإزالة القيود، وزيادة الدخل المتاح قد أدّى إلى موجات كبيرة في الطلب. بالمقابل، فانّ العرض يتعافى بشكل أبطأ ولم يسترد بعد عافيته بالكامل. نتيجةً لذلك، نشهد اضطرابات في النشاط الاقتصادي، مصحوبة بارتفاع أسعار الطاقة وتأخيرات في مختلف سلاسل الإنتاج والتزويد، وهي تأخيرات مؤقتة على الأرجح. كلتا العمليتين، الزيادة الحادة في الطلب والصعوبات في العرض، تؤديان بطبيعة الحال إلى ضغوطات تضخمية حول العالم وبدرجة أقل في إسرائيل أيضًا. من المهم التأكيد على أن قوتها ومدى استمراريتها لا يزالان غير واضحين.

أيضًا بنظرة إلى الأمام، فانّ توقعات التضخم للسنة القريبة تقع ضمن النطاق المستهدف. وهناك فجوة في التوقعات لهذا النطاق بين تلك المستندة إلى سوق رأس المال وتلك الخاصة بالبنوك والمتنبئين وهي أقل. وتعكس الفجوة، من بين أمور أخرى، مسألة مدى زمنيّة التضخم. وبالنظر إلى المستقبل، لا تزال التوقعات من السوق طويلة الأجل ثابتة في مركز النطاق المستهدف. سألخص حديثي بالقول إنه على الرغم من ارتفاع بيئة التضخم في إسرائيل، إلا أنها أقل بكثير مما هي عليه في بقية العالم وهي ضمن النطاق المستهدف. ومن المهم التأكيد على أن هذا ليس انفجارًا تضخميًا، لكننا بالطبع نتابع التطورات باستمرار، وكلها تتيح لنا التحلي بالصبر.

عملية الخروج من الأزمة تحتّم علينا التعامل مع تحديات وقضايا اقتصادية إضافية تختلف عن تلك التي تعاملنا معها في العام ونصف العام الماضيين من الأزمة. وإلى حد ما، هذه التحديات تتفوق عن تلك التي واجهناها في ذروة الأزمة.

لقد مضى وقت طويل منذ أن وقفنا هنا وأعلننا عن المجموعة الأولى من الخطوات النقدية التي اتخذناها من أجل تخفيف العبء عن الجمهور والمساعدة في مواجهة الأزمة الصحية والاقتصادية التي حلت بنا. في جميع أنحاء العالم وفي إسرائيل على وجه الخصوص، يتم إحراز تقدم في عملية التعلم لما أسميناه "الحياة الاقتصادية إلى جانب الفيروس". تترافق عملية الخروج العالمية من الأزمة مع حقيقة أن بعض البنوك المركزية في العالم قد بدأت تدريجيًا في تقليص التوسعات النقدية التي أجرتها، بعضها فعليًّا، والبعض الآخر فقط بإشارات مع نوايا مستقبلية للقيام بذلك. نحن أيضًا أوقفنا بعض الخطوات التوسعية التي اتخذناها، تلك التي دعمت بشكل فعّال نشاط سوق الائتمان، لكونه يعمل بشكل سليم. وبشأن الأدوات الإضافية التي استخدمناها في سوق سندات الضمان، فمن المتوقع أن تنتهي في الأشهر المقبلة، وهذا بالطبع مشروط بعدم حدوث سيناريو متطرف أو وضع آخر يتطلب اتخاذ إجراءات فورية.

 

 

وبشأن سوق العملة الأجنبيّة، كما قلت بفرص سابقة، سأعود وأكرّر أنّنا غير مقيّدين بحد أقصى من التدخل البالغ 30 مليار دولار سنويًّا. عند انتهاء الخطة، سيعمل البنك في سوق العملة الأجنبية وفقًا للحاجة مع الأخذ بعين الاعتبار النشاط الاقتصادي للجهاز الاقتصادي.

لكوننا اقتصادًا صغيرًا ومنفتحًا، فإننا ننظر باستمرار إلى النشاط في العالم. نحن نرى أن الاقتصاد العالمي مستمر في التحسن وأن معدل التطعيمات مستمر في الارتفاع. نلاحظ أن التجارة العالمية تتعافى ولكن في نفس الوقت يبدو أن هناك بعض الصعوبات في القدرة على القيام بنشاط اقتصادي منتظم ومن المحتمل أن ترافقنا هذه الصعوبات لفترة ما. فعلى سبيل المثال، شهدنا بعض الصعوبات في نشاط التصدير في الصين من ناحية وفي الموانئ البحرية غرب الولايات المتحدة من ناحية أخرى، مما يؤثر على سلسلة التزويد العالمية. وقد ارتفعت أسعار النفط والغاز بشكل حاد مؤخرًا، وبخصوص مؤشرات الأسهم الرئيسية في العالم سجّل تعديل معيّن على الأسعار ونحن نشهد زيادة في التقلبات. وكما قلت سابقًا، وفقًا لتقديراتنا، فانّ بعض الأصول المالية في العالم، قد لا يعكس تسعيرها بالضرورة كافة المخاطر القائمة. لم يطرأ تغيير كبير في توقعات النمو للمؤسّسات الاستثماريّة بنظرة عالمية، والتوقعات هي بأن يكون النمو جيدًا أيضًا لاحقًا، لكن التوقعات بشأن النشاط في الكتل المختلفة تتغيّر على ضوء التطورات في المرض والاقتصاد في كل واحدة منها.

هذه كانت القضايا الرئيسية التي تداولنا بها في الأيام الأخيرة خلال مداولات اللجنة. وفي نهاية المناقشات قررت اللجنة إبقاء سعر الفائدة دون تغيير وإنهاء التوسّع الكمي في أسواق سندات الضمان في الأشهر المقبلة. نحن نفحص طيلة الوقت ظروف السوق ونستمر بمرافقة خروج الجهاز الاقتصادي الإسرائيلي من الأزمة.

أخيرًا، أود أن أقول شيئًا نيابةً عن اللجنة وباسمي شخصيًا لشخص عزيز، عضو في اللجنة منذ عقد وقد ترك عمله في اللجنة اليوم، بروفيسور رؤوفين غروناو. انضم رؤوفين إلى اللجنة النقدية في يوم تأسيسها قبل حوالي عقد من الزمان، وكان أحد مندوبي الجمهور الثلاثة الأوائل في اللجنة. كان رؤوفين ركيزة مهنية وهامة في القرارات العديدة التي اتخذتها اللجنة. في المناقشات المتعمقة التي أجرتها اللجنة، تحدى وطرح وساهم في العديد من الأفكار الهامّة. قام رؤوفين بذلك جنبًا إلى جنب مع بقية أعضاء اللجنة أيضًا في الوقت الحقيقي، عندما طُلب من اللجنة تفعيل أدوات سياسية مهمة، بعضها غير مسبوق، لدعم مواجهة الجهاز الاقتصادي لأزمة الكورونا، مع الإبداع والعمل على مدار الساعة.​