القى المراقب على البنوك، السيّد يئير أفيدان، خطابًا في مؤتمر "بيئة 2050" الذي عقد اليوم. فيما يلي خطابه:

صباح الخير

يسعدني أن أشارك هنا اليوم في هذا المؤتمر الهام.

قد يبدو هذا وكأنه جملة افتتاحية احتفالية عادية، لكن الحقيقة هي أنها لم تقال عبثًا. إن الموضوع الذي اجتمعنا من أجله هنا اليوم مهم حقًا بالنسبة لي، لأنه في قلوبنا، وأنا سعيد حقًا بكل فرصة لدي لزيادة الوعي بالعواقب المحتملة لتغير المناخ، والدور الملقى علينا جميعًا في هذه المسألة.

يفرض علينا تغير المناخ تحديات خاصة نواجهها دون خبرة سابقة. هذا صحيح سواء فيما يتعلق بضرورة الحد من وتيرة التغيرات المناخيّة، وأيضًا فيما يتعلق بالحاجة إلى الاستعداد لما يبدو أنه من الصعب منعه. مسارا العمل هذان هما مهمة وطنية من الدرجة الأولى. أنا مقتنع بأنه من خلال التعاون بين جميع الجهات ذات الصلة - الحكومة والهيئات التنظيمية وقطاع الأعمال وعامة الجمهور - هناك الكثير مما يتوجب القيام به ويمكن القيام به للمضي قدمًا في هذين المسارين.

كما تعلمون، فإن إحدى الصعوبات الرئيسية التي تواجه تغير المناخ هي عدم اليقين الكبير. من الصعب للغاية التنبؤ بظواهر غير مسبوقة تتغير باستمرار وتتميز بديناميكيّة بيئية واجتماعية واقتصادية معقدة وتفاعلات تسلسليّة. لا يوجد نموذج يمكن أن يقدم لنا صورة كاملة، ولا يوجد سيناريو واحد يمكن أن يوضح لنا ما يجب أن نستعد له. لكن من الواضح تمامًا أنه في العقود القادمة، قد يؤثر تغير المناخ على جميع مجالات الحياة - المجتمع والاقتصاد والصحة والأمن القومي - باختصار، كل شيء. تجربتنا الأخيرة من أزمة الكورونا هي مثال ملموس للغاية على حجم وقوة التأثير الذي يمكن أن يحدثه المحفز البيئي. نعلم من العديد من المجلات الطبية، أيضًا فيما يتعلق بالاحتباس الحراري - أن أحد أكبر المخاوف يتعلق بنشوء أزمة صحية خطيرة. هذا، من بين أمور أخرى، على ضوء تهيئة الظروف لانتشار الأوبئة.

هناك إجماع واسع في العالم على أن أزمة المناخ، على غرار أزمة الكورونا، تنبع من فشل لا يمكن لقوى السوق أن تحله وحدها، وبالتالي يتطلب تدخّل الحكومة. هناك أيضًا دور هام في هذا الشأن ملقى على عاتق البنوك المركزية والمراقبين المسؤولين عن الاستقرار المالي، ولكن من المهم أن نفهم أن نشاط الهيئات التنظيميّة الماليّة هو نشاط مكمل، ولا يمكن أن يحل محل النشاط المطلوب من الحكومات.

إن العلاقة بين تغير المناخ وبين الاقتصاد والمال معروفة، لكنني مع ذلك سأوضحها ببضع كلمات.

 

من منظور اقتصادي واسع، قد يؤدي تغير المناخ إلى اضطرابات في النشاط الاقتصادي، وتآكل الأمن الغذائي، ومشاكل الهجرة، والبطالة، ونشوء مراكز فقر جديدة، فضلاً عن "انعدام العدل المناخي" الناجم عن الضرر الزائد اللاحق بالبلدان النامية والسكان المستضعفين.

من المنظور المصرفي، هناك نوعان من المخاطر المرتبطة بالمناخ واللذان يهددان البنوك. أحدهما هامشي- خطر التعرض للضرر المادّي بسبب الظواهر المناخية، مثل الفيضانات والحرائق وارتفاع مستويات سطح البحر. النوع الثاني من المخاطر هو مخاطر التحول، والتي تنبع في الواقع من رد الفعل العالمي لأزمة المناخ، وبشكل رئيسي من التحول إلى اقتصادات منخفضة الكربون. في هذا التحول، تغير الحكومات القوانين وقواعد الضرائب، وتتغير التكنولوجيا في العالم، وبالطبع تتغير أذواق الجمهور أيضًا. من المتوقع أن تؤدي هذه التغييرات إلى تحديات تكيف كبيرة، والتي من المتوقع أن تكون أكبر اذا لم يكن التحوّل تدريجيًا وخاضعًا للسيطرة.

يعتبر تعرض البنوك لنوعين من المخاطر- المخاطر المادية ومخاطر التحول- غير مباشر بشكل أساسي. وهو ناتج عن تعرض زبائن البنوك لمخاطر المناخ، وعن التأثير المحتمل على قيمة الضمانات وقيمة الاستثمارات. عمليًّا، ينعكس تعرض البنوك لمخاطر المناخ من خلال زيادة المخاطر التقليدية، وزيادة مخاطر الائتمان التي تتعرض لها البنوك، ومخاطر السوق والسيولة، والمخاطر التشغيلية وغيرها من المخاطر المعروفة.

لكن ليس كل شيء سلبي. الجانب الآخر من أزمة المناخ هو الفرصة. في الخطاب العالمي، يتبلور مفهوم اقتصادي جديد يجب بموجبه إعادة النظر في السعي لتحقيق النمو الاقتصادي دون حدود وقيود والانتقال إلى اقتصادات تقاس بجودة الحياة وتستند إلى إدراك أنه يجب علينا حماية كوكب الأرض من أجل استمرار وجودنا. وبهذه الروح، وعلى خلفية أزمة المناخ الناشئة، فإن المزيد والمزيد من الحكومات والمؤسّسات التجارية - المالية والحقيقية - تلتزم بأهداف ESG، ولا سيما الأهداف المناخية، وتسعى جاهدة من أجل عالم أفضل. بكلمات أخرى، يدرك المزيد والمزيد من اللاعبين الأساسيين في المجتمع البشري أنه "يجب علينا إعادة الضبط!". أولاً، "إعادة ضبط أنفسنا"، حتى نفهم حجم الحدث ونعمل وفقًا لذلك، وثانيًا إعادة الضبط بالمعنى المهم القائم على الأجندة - إعادة ضبط انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتحقيق هدف Net-Zero . نحن بصفتنا الهيئة التنظيميّة للجهاز المصرفي وأيضًا البنوك شركاء في هذا التغيير الذهني. يتبنى العديد منها طواعية المبادئ البيئية والاجتماعية، ويعملون على تمويل الطاقة المتجددة، وتطوير منتجات استثمارية خضراء وتذويت التوقعات المتزايدة لنظام مصرفي مسؤول. هذه هي مهمتنا ومسؤوليتنا.

بصفتنا الهيئة التي تشرف على البنوك، والى جانب الاهتمام بالاستقرار، فإن الرقابة تشجع البنوك أيضًا على رؤية نفسها كشركاء في تشكيل النسيج الاجتماعي والاقتصادي للجهاز الاقتصادي والمجتمع وخدمة جميع أصحاب الشأن إلى أقصى حد- زيادة القيمة للزبائن، والاستثمار في الموظفين، والتصرف بطريقة أخلاقية ومنصفة، ودعم المجتمع والحفاظ على البيئة. وهذا يعني تطبيق ما يسمى عادة "الرأسمالية المصغية". أعتقد من كل قلبي أن الربحية التي يتم تحقيقها مع خلق قيمة بيئية أو اجتماعية، هي ذات قيمة إستراتيجية أعلى مقارنة بربحية "العالم القديم".

في هذا السياق، طورت جامعة هارفارد مفهوم "القيمة المشتركة" في العقد الماضي. يكمن وراء هذا المفهوم فكرة أنه لكي تظل الشركات قادرة على المنافسة في عالم اليوم، تحتاج إلى القيام بأكثر من مجرد تحقيق الأرباح. إنها بحاجة إلى خلق قيمة مشتركة، أي خلق قيمة اقتصادية بطريقة تستجيب أيضًا للاحتياجات الاجتماعية أو البيئية، عندها ينتج عن ذلك تغيير عميق في التفكير الاستراتيجي ونموذج الأعمال. من خلال هذا التغيير في المفاهيم، تميز الشركات نفسها، وتفتح مسارات جديدة للنمو وتحقق أيضًا أرباحًا أفضل. من منظور العمل التجاري، فإن إنشاء "قيمة مشتركة" هو وسيلة لاكتساب ميزة تنافسية كبيرة. في نفس الوقت، من شأن القيمة المشتركة  "تكبير الكعكة"، وهي قيمة مهمة في حد ذاتها.

كما هو معروف، فإن أحد العوائق في عملية تذويت الأهداف البيئية في التفكير الاقتصادي والتجاري هو الحاجة إلى رؤية طويلة المدى. زعمت مولي بيتي، التي عملت سابقًا في الحكومة الأمريكية وساهمت كثيرًا لصالح حماية البيئة، أن الصراع الوحيد هو بين التفكير قصير المدى والتفكير طويل المدى. بالنسبة لأولئك الذين يفكرون في المدى الطويل - البيئة والاقتصاد، ليس فقط أنهما ليسا في صراع، وانّما هما متقاربان. على المدى الطويل، إذا كان نشاط معين غير بيئي فهو أيضًا غير اقتصادي. أنا أؤمن بشدة بهذا المفهوم. وأعتقد أن أحد أدوار الحكومة والهيئات التنظيميّة بشأن تغير المناخ هو خلق الحوافز والنظرة طويلة المدى. وفقًا للتقديرات، فإن حجم الاستثمار من أجل تحقيق الأهداف طويلة المدى أقل بكثير من تكلفة "عدم فعل شيء". وفي تقديري، فإن بديل "عدم القيام بأي شيء" ليس بديلاً واقعياً.

ينشط بنك إسرائيل في موضوع المخاطر البيئية والمناخية وفقًا للاتجاهات والمعايير الناشئة في العالم، ويتابع بانتظام المعرفة والخبرة المتراكمة. وتشارك الرقابة أيضًا في طواقم التفكير والتعاون مع أصحاب الشأن في إسرائيل والخارج، بما في ذلك الوزارات الحكومية والهيئات التنظيمية والخبراء من القطاع الخاص والأكاديمي.

وتعمل الرقابة في هذه الأيام، على صياغة تعليمات مصرفيّة محدثة وشاملة بموضوع إدارة مخاطر المناخ، والتي تستند إلى توصيات لجنة بازل. تقوم هذه التعليمات على المبادئ، وستتناول، من بين أمور أخرى، جوانب حوكمة الشركات، والرقابة الداخلية، وإنشاء إطار لإدارة المخاطر وإجراء تحليل للسيناريوهات. تم تحويل مسودة التعليمات إلى الجهات الخاضعة للرقابة، ونطمح إلى نشر تعليمات نهائية في النصف الأول من عام 2023. حاليًّا، رسائل المراقب المرسلة إلى البنوك تتطلب منهم تحديد وتقييم وإدارة المخاطر البيئية وفقًا للمعايير المتبلورة في العالم. ومن خلال الرسائل والحوار المستمر مع الجهاز المصرفي، عملت الرقابة على زيادة الوعي لدى إدارات ومجالس البنوك بأهمية الموضوع. كجزء من المجتمع الدولي، تحاول الرقابة على البنوك في إسرائيل أيضًا تحقيق التوازن بين التوقع بتطوير أساليب وأدوات مثلى لإدارة مخاطر المناخ وبين ضرورة العمل الفوري باستخدام الأدوات والمعلومات المتوفرة لدينا.

وفي جانب الإفصاح، كانت الرقابة في طليعة دول العالم عندما فرضت، في عام 2011، على البنوك واجب نشر تقرير مسؤولية الشركات، والذي قمنا مؤخرًا بتغيير اسمه إلى ESG (البيئة والمجتمع والحوكمة) كجزء من ملاءمة متطلباتنا ل- Best Practice في العالم. نأمل أن يشجع الإفصاح والشفافية الهيئات التي تقدّم التقارير على تذويت اعتبارات الحوكمة ESG في النشاط المصرفي نفسه وفي مجمل العلاقات مع مختلف أصحاب الشأن.

بالإضافة إلى ذلك، نحن نتابع تطور مجال السيناريوهات المتطرفة في العالم ونعتزم صياغة سيناريو مناخي متطرف موحد للدراسة تستخدمه الرقابة والجهات الخاضعة للرقابة في تحليل المخاطر خلال عام 2023. بالإضافة إلى ذلك، وكجزء من تعزيز الموضوع، نحن في خضم إجراء مسح واسع لفحص مدى استعداد المؤسّسات المصرفية للمخاطر المناخية.

تعمل البنوك في إسرائيل وحول العالم على تطوير المعرفة والمهارات المهنية المطلوبة في هذا المجال، وادخال الاعتبارات البيئية والمناخية في استراتيجية الأعمال ودمج مخاطر المناخ في إطار إدارة المخاطر الخاصة بهم. ولا تزال هناك قيود تطبيقيّة كبيرة، لكن هناك بالفعل تطرّق عملي لهذه الجوانب، لا سيما في مجال الائتمان. ومع ذلك، كما ذكرت، ومهم التأكيد أنه لا يمكن التوقع أن تقود الأنظمة المالية عملية الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، على الرغم من أنه يجب عليها الاستعداد وبناء القدرات وتقييم مخاطر المناخ. ولا تزال الأدوات الأكثر نجاعة في موضوع تحويل الاقتصاد إلى الاتجاه المطلوب موجودة في أيدي الحكومات.

في النهاية، أود أن أتطرق مرة أخرى إلى تغير المناخ من منظور واسع، لأننا جميعًا جزء من المجهود المشترك العالمي والمحلي. كما قد قرأ البعض منكم، وفقًا لتقرير عام 2023 الذي نشره هذه الأيام المنتدى الاقتصادي العالمي، تم تصنيف المخاطر البيئية والمناخية مرة أخرى على أنها التهديد الأول الذي يهددنا في العقد القادم. هذه هي المخاطر التي نحن الأقل استعدادًا لمواجهتها. وفقًا للتقرير، الذي يستند إلى تقييمات أكثر من 1200 خبير في الأوساط الأكاديمية وقطاع الأعمال والحكومة والمجتمع الدولي، فإن العالم يقف على مفترق طرق. الإجراءات التي نتخذها أو لا نتخذها اليوم ستحدد مستقبلنا، ويجب علينا التأكد من أن معالجة الأزمات الحالية لا ينتقص من النظرة طويلة المدى. النهج الدفاعي، المجزأ والموجه نحو الأزمات، هو قصير النظر ومن شأنه إبقاء المشكلة إلى الأبد. في الرد العالمي والمحلي على تغيرات المناخ، يجب علينا اتباع نهج حازم ورؤية طويلة المدى.

وأخيرًا، بشكل شخصي، أقول مرة أخرى إنني أعتقد أنه يجب علينا ويمكننا إجراء التغيير اللازم. أرى أنها رسالة أن أكون جزءًا من هذه العملية التي تحول الأزمة إلى فرصة، ونحن في الرقابة على البنوك سنبذل قصارى جهدنا للمساهمة في الجهد المشترك.

كما ذكرت، هذه هي مهمتنا وعلينا أن نبذل أقصى ما في وسعنا للحفاظ على الكرة الأرضيّة وضمان جودة الحياة للأجيال القادمة.

شكرًا جزيلا.

 

تصوير: ليأت مندل