• كثيرًا ما تتناول الأدبيّات الاقتصاديّة والنقاش العام موضوع انتقال موظّفي قطاع الإدارة العامّة إلى شركات القطاع الخاص. تبحث هاتان الدراستان للمرّة الأولى هذه الظاهرة في إسرائيل. وعلى الرغم من أن نتائج الدراسة لا تدعم موقفًا معياريًّا معيّنًا بالنسبة للانتقال، إلا أن من شأنها أن تساهم في إثراء النقاش العام حول الموضوع وأن تشكل أساسًا لمزيد من الأبحاث في هذا المجال.
  • وفقًا لنتائج الدراستين، فانّ 60٪ من الشركات العامة في إسرائيل في الأعوام 2007-2015 وظفت موظفًا واحدًا على الأقل من قطاع الإدارة العامّة سابقًا و- 8٪ من أعضاء مجلس الإدارة والإدارة العليا كانوا قد عملوا في قطاع الإدارة العامة.
  • يُظهر التحليل أنه كلما كبر حجم الشركة وزاد مستوى التنظيم والرقابة على الشركة، زاد احتمال قيام الشركة بالإعتماد على خدمات موظف من قطاع الإدارة العامة. كما يتضح أيضًا أن الشركات تميل إلى الإعتماد على خدمات موظفين من قطاع الإدارة العامة من ذوي الخبرة في إحدى الهيئات التنظيمية أو الرقابيّة في القطاع الذي تعمل فيه الشركة.
  • ويظهر التحليل أن تعيين موظف سابق من قطاع الإدارة العامة يؤثّر بشكل إيجابي على القيمة السوقية للشركة. كما أن التأثير قائم أيضًا عند تعيين موظف سابق برتبة غير عالية، ولم يظهر التحليل أنّ هناك تأثير فائض لتعيين موظف سابق كان يشغل منصبًا رفيعًا. بالمقابل، تتقلّص هوامش الائتمان فقط بعد تعيين موظف سابق من قطاع الإدارة العامة والذي كان يشغل منصبًا رفيعًا، بينما لم يكن هناك تأثير لتعيين موظف سابق كان يشغل منصبًا غير رفيع.
  • وتنخفض شدة التأثير على كل من القيمة السوقية وهوامش الائتمان كلّما ارتفع عدد الموظفين السابقين من قطاع الإدارة العامة والذين تم تعيينهم منذ البداية في إدارة الشركة. كذلك، تنخفض شدة التأثير كلّما مضى وقتًا أكبر على مغادرة الموظف السابق لقطاع الإدارة العامة.
  • ومن حيث التأثير على القيمة السوقية وهوامش السندات، يُظهر التحليل أنه لم يكن هناك تأثير فائض لتعيين موظفين ذوي خبرة محددة في مجالات عمل الشركة، وعلى وجه الخصوص لم يكن هناك أي تأثير لتعيين موظف سابق مع خبرة في إحدى الهيئات التنظيميّة أو الرقابيّة للشركة.

يتناول البحثان الذين أجراهما د. نوعم ميخلسون من قسم الأبحاث في بنك إسرائيل موضوع العلاقة بين الشركات التجاريّة وقطاع الإدارة العامّة في إسرائيل، وانتقال الموظّفين من قطاع الإدارة العامّة إلى القطاع الخاص.

تشير الأدبيات الاقتصادية إلى الفوائد الكامنة في تواصل الشركة التجارية مع قطاع الإدارة العامة في الدولة. وتتمثل إحدى طرق التواصل في تعيين موظف سابق من قطاع الإدارة العامة، سواء كان يعمل في سلك الخدمات العامة أو كان منتخب جمهور. هؤلاء الموظفون، في الغالب، على دراية بتعقيدات قطاع الإدارة العامة وطرق عملها ولديهم شبكة علاقات مع زملائهم السابقين في العمل. وقد تساعد خبرتهم الشركة في اتخاذ قرارات أكثر كفاءة وبالتالي إضافة قيمة للشركة.

إن الانتقال بين قطاع الإدارة العامة والقطاع التجاري هو موضوع للنقاش العام بنطاق واسع في إسرائيل وحول العالم، كما يتم تناوله من قبل مختلف اللجان والهيئات الرقابيّة من داخل قطاع الإدارة العامة وخارجها. من ناحية، قد تؤدي مثل هذه الانتقالات، وإن لم يكن بالضرورة، إلى إضفاء ميزة غير عادلة للشركات التي توظف أولئك الذين انتقلوا إليها من قطاع الإدارة العامة، من خلال توظيف المعرفة والعلاقات المتراكمة لدى الموظف للحصول على علاقة أفضل مقابل هيئات تطبيق القانون والتأثير على الإجراءات التنظيميّة والأنظمة التي قد تمس بعمل الشركة، فضلا عن استخدام المعلومات الداخليّة حول الاجراءات التنظيميّة المستقبليّة أو وضع الشركات المنافسة وغيرها، وذلك على حساب مصلحة الجمهور. إضافةً إلى ذلك، فانّ إمكانيّات العمل المستقبليّة لموظف قطاع الإدارة العامّة في الشركات التي تتأثر بقراراته يمكن أن تؤثّر على نشاطاته وقراراته بحيث لا يمس باحتمالات توظيفه مستقبلا. وفي حال تحقّقت هذه التخوّفات فانّ الانتقال من قطاع الإدارة العامّة إلى القطاع التجاري يمس بمصلحة الجمهور وبثقة الجمهور بأنظمة الحكم.

من ناحية أخرى، فانّ منع مثل هذه الانتقالات يمكن أيضًا أن يمس بمصلحة الجمهور. إذ أنّ قطاع الإدارة العامّة عالي الجودة هو مصلحة عامّة من الدرجة الأولى. وعدا عن المس بحرية العمل، هناك تخوّف من أنّ تمتنع القوى العاملة النوعيّة عن الانضمام لقطاع الإدارة العامّة خوفًا من المس بإمكانيّات العمل المستقبيليّة. وعلى سبيل المثال، فانّ موظفي قطاع الإدارة العامة في إسرائيل اليوم يملكون تعليم أكاديمي أعلى من زملائهم في القطاع الخاص. وفي حال تقليص فرص العمل المستقبليّة، ستتآكل جودة القوى العاملة في قطاع الإدارة العامة، مما سيضر بالمصلحة العامة. وإذا أرادت الدولة الحفاظ على قوة عاملة عالية الجودة، فسيتعين عليها رفع الأجور بشكل كبير من أجل جذب الموظّفين الجيدين والحفاظ عليهم، وبالتالي يمكن أن يقود منع الانتقال إلى أن تفوق التكلفة على المنفعة.

على الرغم من عدم توفر تقديرات كمية يمكن الاعتماد عليها لتكلفة الانتقال وفائدته وتكلفة منعه، فقد وضع المشرعون في إسرائيل وحول العالم آليات من شأنها الموازنة بين الاعتبارات المختلفة، وأكثرها شيوعًا هي فترة الانتظار بين إنهاء العمل في قطاع الإدارة العامة وبدء العمل في القطاع الخاص. ويشار إلى أنّ هدف القانون هو تحقيق التوازن بين حرية العمل والمس المحتمل بالنزاهة.

على الرغم من أن مسألة الانتقال من قطاع الإدارة العامة إلى القطاع الخاص هو موضع نقاش عام منذ سنوات عديدة، إلا أنه لم يتم إجراء مسح تفصيلي لحجم الظاهرة في إسرائيل حتى الآن. تقدّم هذه الدراسة لأول مرة مسحًا للعلاقات بين الشركات التجارية ذات الأسهم القابلة للتداول ("الشركات العامة") في إسرائيل وقطاع الإدارة العامة في الأعوام 2007-2015، باستخدام قاعدة بيانات خاصّة وواسعة تم إنشاؤها لغرض الدراسة. وتشمل قاعدة البيانات جميع أعضاء مجلس الإدارة والإدارة العليا للشركات، مع تحديد المديرين الذين خدموا في قطاع الإدارة العامة سابقًا، أي المديرين الذين عملوا في سلك الخدمات العامة (الوزارات الحكومية، السلطات القانونية، والهيئات الأمنية وغيرها) أو كانوا منتخبي جمهور (وزراء وأعضاء كنيست ومنتخبي الحكم المحلي). وبذلك يمكن تحديد الشركات العامة ذات العلاقات بقطاع الإدارة العامة من خلال توظيف موظّف من قطاع الإدارة العامة سابقًا، ومن خلال تحليل الخصائص التجارية والمالية للشركات، يمكن تصنيف الانتقالات بين قطاع الإدارة العامة والقطاع الخاص. ويذكر أنّ مصادر البيانات هي التقارير الدورية والسنوية للشركات العامة لبورصة الأوراق الماليّة، والتي تشمل أيضًا قائمة أعضاء مجلس الإدارة والإدارة العليا وخبراتهم السابقة. ولاستكمال الصورة، تم إجراء بحث شامل أيضًا في المصادر الإدارية والعامة حول الخبرة في العمل لمديري الشركات، وخاصة ما إذا كان لديهم خبرة في قطاع الإدارة العامة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسة لا تتناول انتقال الموظّفين بالاتجاه العكسي من القطاع الخاص إلى العام.

 


تتميّز قاعدة البيانات أيضًا بتحديد المديرين الذين لم يشغلوا مناصب عليا في قطاع الإدارة العامة، ما يتيح تحديد العلاقات الناتجة عن توظيف موظف من قطاع الإدارة العامة لم يكن برتبة رفيعة، مما يوسع تعريف مفهوم العلاقات ويمكّن من دراسة آثارها. تركز الأدبيات الأكاديمية القائمة حول هذا الموضوع، وغالبًا أيضًا النقاش العام، على توظيف الموظفين السابقين في قطاع الإدارة العامة الذين كانوا قد أشغلوا مناصب عليا. ونظرًا لمحدوديّة البيانات، غالبًا ما يصعب تحديد العلاقات الناتجة عن توظيف موظفين سابقين من قطاع الإدارة العامّة الذي كانوا قد أشغلوا رتب دنيا، الا أن أهمية توظيف هؤلاء الموظفين لا تقل عن أهميّة توظيف الموظفين الكبار. تتيح قاعدة البيانات الحالية تحليل خصائص الملاءمة بين موظفي قطاع الإدارة العامة السابقين وخبراتهم والشركات التي تعينهم في الإدارة العليا.

يظهر التحليل أنّ 60٪ من الشركات العامة في إسرائيل في الأعوام 2007-2015 وظفت موظفًا من قطاع الإدارة العامّة سابقًا و- 8٪ من أعضاء مجلس الإدارة والإدارة العليا كانوا قد عملوا في قطاع الإدارة العامة. ويبيّن تحليل الملاءمة بين موظفي قطاع الإدارة العامّة سابقًا والشركات الحكوميّة أنّ أنماط الانتقال مرتبطة بالخبرة لدى موظّف قطاع الإدارة العامّة ونوع نشاط الشركة. وبشكل خاص، يظهر التحليل أنّ الشركات تميل إلى توظيف موظّف من قطاع الإدارة العامّة صاحب تجربة عمل في إحدى الهيئات التنظيميّة أو الرقابيّة للفرع الذي تعمل فيه الشركة.   

ويُظهر التحليل أنه كلما كبر حجم الشركة وزاد مستوى التنظيم والرقابة على الشركة، زاد احتمال قيام الشركة بالإعتماد على خدمات موظف من قطاع الإدارة العامة، كما هو الحال في الدول الأخرى.

بالإضافة إلى ذلك، قام الباحث بتحليل شبكة المديرين العامين في الشركات العامة في إسرائيل ووجد أن موظفي قطاع الإدارة العامة السابقين موجودون في أماكن أكثر مركزية في الشبكة، ولكن كلما مر الوقت منذ مغادرتهم قطاع الإدارة العامة، قلت مركزيتهم في شبكة المديرين العامين.

تشكل البيانات والنتائج الواردة في هذه الدراسة أساسًا للدراسة الثانية حول الموضوع، حيث فحص الباحث ما إذا كانت الاستعانة بخدمات موظف سابق من قطاع الإدارة العامة تعود فعلا بالفائدة على الشركة. ولهذا الغرض، تمّ فحص تأثير تعيينات الموظّفين والمديرين السابقين من قطاع الإدارة العامّة في الإدارة العليا أو مجلس الإدارة للشركات التجاريّة ذات الأسهم القابلة للتداول ("شركات عامّة") في السنوات 2007-2015 في إسرائيل، على القيمة السوقيّة للشركة وهوامش الائتمان لسندات الشركة عند موعد التعيين.

ويظهر التحليل أن تعيين موظف سابق من قطاع الإدارة العامة يؤثّر بشكل إيجابي على القيمة السوقية للشركة: بعد التعيين، لوحظ فائض عائد يتراوح بين 0.75 و 1 في المائة في سهم الشركة. التأثير قائم أيضًا عند تعيين موظف سابق برتبة غير عالية، لكن لم يظهر التحليل أنّ هناك تأثير فائض لتعيين موظف سابق كان يشغل منصبًا رفيعًا. بالمقابل، تتقلّص هوامش الائتمان فقط بعد تعيين موظف سابق من قطاع الإدارة العامة والذي كان يشغل منصبًا رفيعًا، بينما لم يكن هناك تأثير لتعيين موظف سابق كان يشغل منصبًا غير رفيع. وتنخفض شدة التأثير على كل من القيمة السوقية وهوامش الائتمان كلّما ارتفع عدد الموظفين السابقين من قطاع الإدارة العامة والذين تم تعيينهم منذ البداية في إدارة الشركة. كذلك، تنخفض شدة التأثير كلّما مضى وقتًا أكبر على مغادرة الموظف السابق لقطاع الإدارة العامة.

 

ومن حيث التأثير على القيمة السوقية وهوامش السندات، يُظهر التحليل أنه لم يكن هناك تأثير فائض لتعيين موظفين ذوي خبرة محددة في مجالات عمل الشركة، وعلى وجه الخصوص لم يكن هناك أي تأثير لتعيين موظف سابق مع خبرة في إحدى الهيئات التنظيميّة أو الرقابيّة للشركة.

الدمج بين النتائج المذكورة أعلاه قد يشير إلى أن رأس المال البشري الخاص بالموظف السابق في قطاع الإدارة العامة يكمن في معرفته بقطاع الإدارة العامة وموظفيها. ويشير الانخفاض في شدة التأثير على مرّ السنوات إلى أن الأمر لا يتعلق بمهارة شخصية أو جودة الموظف السابق في قطاع الإدارة العامة، بحيث تتلاشى هذه الميزة والقيمة كلّما مرّ الوقت. أيضًا فانّ عدم تأثير الخبرة التي اكتسبها الموظف السابق في قطاع الإدارة العامة بمجال عمل الشركة، يشير إلى أن رأس المال البشري هو أكثر عمومية ويرتبط على الأرجح بمعرفة الموظّف بقطاع الإدارة العامة وموظفيها.

هناك أهميّة كبيرة لوجود قطاع إدارة عامّة عالي الجودة وفرص عمل مستقبليّة متنوعة تتيح توظيف قوى عاملة نوعيّة. لكن في الوقت نفسه فانّ الانتقال من قطاع الإدارة العامّة للقطاع الخاص يمكن أن يمس بثقة الجمهور وأن يؤدي إلى تآكلها، لذا يفرض المشرّع تقييدات على هذا الانتقال. نتائج الدراستين لا تدعم موقفًا معياريًّا معيّنًا، الا أنّها توفّر قاعدة حقيقيّة وكميّة لحجم الظاهرة وتأثيرها. من الجدير تطبيق الآليات الحالية التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين المصالح المختلفة بقوة أكبر، ولا سيما فيما يتعلق بفترة الانتظار. وفي هذا السياق، فانّ نتائج البحث التي تشير إلى حقيقة أنّ رأس المال البشري الخاص بموظّف قطاع الإدارة العامّة غير مرتبط بالضرورة بخبرته في مجال عمل الشركة يمكن أن تثير اهتمام لجان تقصير فترات الانتظار. وأكثر من ذلك، فانّ قاعدة البيانات والنتائج من شأنها المساهمة في النقاش العام المستمر حول موضوع الانتقال من قطاع الإدارة العامّة إلى الشركات الخاصّة وأن تشجّع على إجراء أبحاث أخرى في هذه الموضوع.