لماذا تحتاج البنوك إلى رقابة؟

الرقابة والإشراف القويين يوازنان بين المخاطر الكامنة في النشاط المصرفي وحماية المصلحة العامة وأموال زبائن البنوك

يقوم النظام المصرفي بتركيز معظم سلوكنا المالي - سحب الأموال من أجهزة الصراف الآلي، والدفع بواسطة بطاقات الائتمان، أو باستخدام الشيكات أو بأي طريقة أخرى، الإيداعات، والاستثمارات والقروض، وما شابه. النظام المصرفي هو أساس النشاط المالي للنظام الاقتصادي. قد يؤدي أي خلل في النظام المصرفي إلى ضرر فوري في أداء النظام الاقتصادي. يمكن أن يكون لأي أزمة في النظام المصرفي، وخاصة "انهيار بنك" - وهو الوضع الذي لا يستطيع فيه بنك ما الوفاء بالتزاماته تجاه زبائنه - عواقب مصيرية على شكل خسائر مالية، مما يحد من القدرة على سحب الودائع، وغيرها وحتى التسبب بأضرار حقيقية لعمل النظام الاقتصادي ونوعية حياة المواطنين. من أجل الحفاظ على سلامة النظام المصرفي وحماية مصالح الناس عامة، من المهم أن تكون هناك قواعد واضحة وملزمة - ما الذي يُسمح للمؤسسات المصرفية وما الذي لا يُسمح لها بفعله بأموال زبائن البنوك. وأن يتم تحديد هذه القواعد والقيود بناء على اعتبارات مهنية مدعومة باختبارات شاملة ومعايير دولية، ويتم تطبيقها على أرض الواقع من قبل الهيئة المسؤولة عن الرقابة والإشراف على النظام المصرفي – هيئة الرقابة على البنوك.

لماذا تنهار البنوك؟

طالما كان العمل المصرفي في أساسه عملاً محفوفًا بالمخاطر. تستخدم البنوك الأموال التي يودعها الزبائن لديها لمنح الائتمان لزبائن آخرين. إن الوضع الذي لا يتمكن فيه الزبائن من سداد الائتمان الخاص بهم يعرض للخطر قدرة البنك على إعادة الودائع إلى الزبائن عندما يرغبون في ذلك. أضف على ذلك، فإن جزءاً كبيراً من الودائع تكون قصيرة الأجل (الودائع الجارية مثلاً، والتي يُسمح للزبائن بسحبها يومياً)، بينما في الوقت نفسه، فإن جزءاً كبيراً من الائتمان الذي تمنحه البنوك لزبائنها يكون طويل الأجل (يتم منح القروض لشراء سيارة على سبيل المثال لعدة سنوات؛ ويتم منح القروض العقارية لمدة تصل إلى ثلاثين عاما). وهذا يعني أنه في حين يمكن للمودعين سحب أموالهم من البنك في كل يوم تقريباً، لا يمكن للبنك تحصيل الأموال من المقترضين إلا في وقت محدد بحسب شروط القرض.

لنفترض مثلاً، أن النظام الاقتصادي دخل في حالة تباطؤ اقتصادي حاد لسبب ما. وفي أعقاب التباطؤ، تأثر دخل العديد من الأسر والشركات. ولذا، فإن بعضهم مهتم من ناحية بسحب ودائعهم لاستخدامها بدلا من الدخل المتراجع؛ بينما قد يرغب آخرون في الحصول على المزيد من الائتمان من البنك للتعويض عن تراجع الدخل. يجد بعض الزبائن قد يجدون أيضاً صعوبة في سداد قروضهم السابقة ولا يقومون بإرجاع أقساط القرض إلى البنك في الوقت المحدد. والنتيجة: سيواجه البنك الآن صعوبة في العثور على مصادر لتوفير الائتمان للزبائن الذين يحتاجون إليه، وفي سيناريو أشد خطورة، قد يواجه صعوبة في إعادة أموال الودائع إلى المودعين. وقد يؤدي هذا الوضع إلى سلسلة من ردود الفعل التي من شأنها الإضرار باستقرار البنك. وأكثر من ذلك، حتى لو لم يدخل النظام الاقتصادي في حالة تباطؤ، فإن انتشار الشائعات بشأن ضرر محتمل باستقرار البنك، قد يتسبب في رغبة الزبائن في سحب ودائعهم مما سيؤدي إلى نفس رد الفعل التسلسلي. وقد يصبح رد الفعل أكثر خطورة بما أنه يحق للزبائن كما ذكرنا سحب أغلب الودائع في أي وقت، بينما لا يستطيع البنك استرجاع جميع أمواله على الفور، لأنه يمنح جزءاً منها للمقترضين كقرض طويل الأجل.

إحدى الأدوات الرئيسية للتعامل مع المخاطر الكامنة في تقديم الائتمان هي "نسبة كفاية رأس المال" - حيث تطلب هيئة الرقابة من البنوك الاحتفاظ برأس مال خاص بنسبة معينة من الائتمان (عادة حوالي 10%)، لضمان قدرتها على تحمل خسائر الائتمان. ومن الأدوات المهمة الأخرى "نسبة حجم السيولة"، التي تنص على أن بعض أصول البنك يجب أن تكون قابلة للسيولة بسرعة، للتأكد من إمكانية استرداد المودعين لأموالهم في أي وقت.

ديناميكية الأزمة

كيف تؤثر أزمة في بنك واحد على النظام الاقتصادي بأكمله؟ تخيلوا قطع دومينو تقف منتصبة، واحدة تلو الأخرى، مرتبة في تشكيلة منظمة. ثم تسقط إحدى القطع، فتصطدم بشكل حتمي بالقطعة أمامها، والتي ستسقط بدورها القطعة التي أمامها، وهكذا، حتى تصبح جميع القطع على الأرض. وبنفس الطريقة، توجد بين البنوك والأسواق المالية - التي تتكون من عوامل ومتغيرات كثيرة - علاقات قد تؤدي إلى نفس "تأثير الدومينو". إن عدم قدرة بنك واحد على الوفاء بالتزاماته تجاه مودعيه قد يضر بقدرة المودعين على الوفاء بالتزاماتهم تجاه جهات أخرى في النظام الاقتصادي، بل وقد يدفع المودعين إلى التهافت على البنوك لسحب أموالهم. فانهيار أحد البنوك قد يدفع زبائن البنوك الأخرى إلى سحب أموالهم من البنوك حتى لو كانت تلك البنوك مستقرة، مما يضر باستقرارها. أي أن الأزمة التي تؤثر على أحد مكونات النظام الاقتصادي، قد تتحول بسرعة إلى أزمة مالية واسعة النطاق وشديدة العواقب. هذا ما حدث مثلاً في الأزمة المالية العالمية في 2008/2009، حيث أدت الأزمة في سوق الرهن العقاري في الولايات المتحدة من بين أمور أخرى، إلى إفلاس بنك مشهور، مما تسبب في أضرار لفرع المصارف بأكمله وخلق أزمة مالية عالمية حادة، والتي شملت من بين أمور أخرى، انخفاض معدلات النمو، وزيادة حادة في معدلات البطالة، وإلحاق ضرر حقيقي بالمستوى المعيشي لملايين المواطنين حول العالم. إلى جانب المخاطر التي تأتي من خارج النظام المصرفي ولا تخضع لسيطرة بنك واحد، هناك بالطبع مخاطر تأتي من الداخل تعتمد بشكل أساسي على سياسة إدارة البنك ومستوى المخاطر التي تتعرض لها أموال المستثمرين والمودعين فيه.

لماذا لا تراقب البنوك نفسها؟

تراقب البنوك نفسها بالفعل. وفقا لمتطلبات هيئة الرقابة على البنوك في كل دولة، لدى البنوك منظومة كاملة من المراقبين الذين تتمثل مهمتهم في تحدي القرارات التجارية لإدارة البنك وإدارة المخاطر بشكل يضمن استقراره. لكن في النهاية، البنوك هي مصالح تجارية ذات أهداف ربحية، وبناء على ذلك، تقوم إدارات البنوك بالمخاطرة طمعاً في تحقيق مزيد من الأرباح. وعلى عكس البنك، تسعى هيئة الرقابة على البنوك لتحقيق مصلحة النظام الاقتصادي بأكمله، ولديها الأدوات والموارد اللازمة للحصول على صورة محدثة وواسعة وشاملة للمخاطر الناشئة في النظام المالي والمصرفي. تعمل الرقابة والإشراف القويان على الموازنة بين السعي لتحقيق الربحية وحماية المصلحة العامة وأموال زبائن البنك. في إسرائيل، تقع على عاتق بنك اسرائيل مسؤولية الرقابة على البنوك، وإلى جانب الحفاظ على الاستقرار، فهو مكلف أيضًا بالحفاظ على النزاهة في العلاقة بين البنوك وزبائنها.

 

تمّ تحديث هذه الصفحة آخر مرّة في تاريخ: 01/10/2023