مرحبًا جميعًا،

عقدت اليوم وأمس في بنك إسرائيل مناقشات اللجنة النقديّة بهدف اتخاذ القرار بشأن السياسة النقديّة.

نهاية العام وبداية عام جديد هو الوقت المناسب للتوقف والنظر إلى الوراء وأيضًا إلى الأمام. الحياة جنبًا إلى جنب مع موجات انتشار الفيروس هي الواقع الذي نعيشه، والذي يحتمل أن يستمر أيضًا في المستقبل القريب. عندما راجعت ما قلته في المؤتمرات الصحفية الأخيرة، رأيت كيف تحدثنا في تمّوز عن الخروج من الموجة الثالثة وفي تشرين الأوّل أشرنا إلى الموجة الرابعة. حاليًّا بعد أن أنهينا عام 2021، وبدأنا عام 2022، نحن نواجه الموجة الخامسة. الواقع الحالي وموجات انتشار الفيروس والمخاطر المستمرة تنعكس علينا طيلة الوقت وتؤخذ في الاعتبار عند تحليل صورة الوضع الاقتصادي واتخاذ القرار بشأن السياسة النقدية.

لا نستطيع الجزم بشأن كيف ستنعكس الموجة الخامسة، موجة أوميكرون، من ناحية صحيّة واقتصاديّة. لكن يبدو أن الأمر سيكون مختلفًا من حيث حجم العدوى ومدى التأثير على معدّل الإصابة الخطيرة بالمرض. ويؤثر ذلك أيضًا على طريقة المواجهة التي تنتهجها الحكومة. ومع ذلك، يمكن القول إن الجهاز الاقتصادي الإسرائيلي تعلم كيف يعمل جنبًا إلى جنب مع الفيروس، والتكيف معه والنجاح في الحفاظ على النشاط الاقتصادي حتى حين تقف أمامه تهديدات المرض والمخاطر. لذلك، نحن مطالبون ببذل قصارى جهدنا لتمكين الاقتصاد من الاستمرار في العمل مع الحفاظ على الصحة والسيطرة على حجم انتشار المرض.

سأنتقل الآن إلى الحديث عن التطورات الاقتصادية الرئيسية. نحن نقدّر أن يكون الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021، والذي انتهى قبل أيام قليلة، قد توسع بنسبة 6.5٪. هذا وفقًا لتوقعات قسم الأبحاث. ويدور الحديث عن نمو مثير للإعجاب ويدل على قوة التعافي، كما يشير إلى أن مستوى الناتج المحلي الإجمالي يقترب من الاتجاه الذي كان متوقعًا بدون الوباء. وبالنظر إلى النشاط نفسه، نرى أن الرصيد الإجمالي لمسح الاتجاهات في المصالح الاقتصاديّة الذي أجرته دائرة الإحصاء المركزيّة قد عاد إلى نطاق التوسع منذ بداية عام 2021 وهو يستمر في التواجد في هذا النطاق. وقد عادت المشتريات ببطاقات الائتمان، التي استخدمت كمؤشر رئيسي لفحص نشاط الجهاز الاقتصادي في ذروة الأزمة، إلى اتجاهاتها طويلة الأجل بل وتجاوزتها. وبالطبع، وفقًا لدورية المرض، يتغيّر كذلك النشاط في بطاقات الائتمان، وفي الوقت الحالي تنعكس الصعوبة في بعض القطاعات خاصة منذ انتشار سلالة أوميكرون.

الصعوبات في سلاسل التوريد العالمية والقيود على العرض هي تحديات إضافية واجهناها في العام الماضي. وقد أدى ذلك إلى قيام الشركات بالإبلاغ عن صعوبات متزايدة على مدار العام في شراء المواد الخام والمعدات. ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أن ذلك سيتراجع خلال العام المقبل، بعد انحسار موجة أوميكرون، ومن المتوقع أن يخفّف العبء عن النشاط التجاري في إسرائيل والعالم. وبالنظر إلى التجارة الخارجية، التي تعتبر مهمة للغاية في جهاز اقتصادي صغير ومفتوح كالذي لدى إسرائيل، يلاحظ أنّ صادرات الخدمات استمرت في التوسع كجزء من التغيير الهيكلي الذي يحدث في الجهاز الاقتصادي. كما تسارعت وتيرة هذا التغيير بفضل خصائص الابتكار الإسرائيلي، وبقيادة فروع التكنولوجيا التي زاد الطلب على منتجاتها خلال فترة الكورونا. كما ارتفع حجم الاستيراد إلى إسرائيل بجميع مكوناته، على الرغم من الصعوبات في سلاسل التوريد.

في سوق العمل، واجهنا تعقيدات أيضًا في العام الماضي، ولكن بالنظر إلى الوضع الحالي، يمكن القول أنه طرأ هناك انتعاش ملحوظ ونحن نقترب في بعض المؤشرات للمستويات التي كانت سائدة قبل الأزمة. وقد ساهم في ذلك، انحسار الموجة الرابعة، واستمرار عملية عودة الجهاز الاقتصادي إلى الروتين، وإنتهاء معظم شروط شبكة الأمان في سوق العمل. مع ذلك، يجب أن نتذكر أنّ الحديث يدور عن عملية معقدة ويجب الاستمرار في فحص ومرافقة عملية تعافي سوق العمل، بالذات الآن مع زيادة معدلات المرض واحتمالات إلحاق الضرر بالنشاط الاقتصادي. في الخلفية، كان هناك ارتفاع مستمر في عدد الوظائف الشاغرة، إلى جانب انخفاض معدل البطالة، مما قد يشير إلى تشديد معين في سوق العمل. ويشار إلى أنّ مستويات الأجور في الجهاز الاقتصادي لم تنحرف عن الاتجاه الذي سجّل قبل الأزمة، وفي بعض الفروع كان هناك ارتفاعًا معينًا في الأجور في الآونة الأخيرة. من المهم متابعة هذه التطورات في الأشهر المقبلة.

أود الآن الانتقال إلى المجال المالي. هذا هو النظام الذي يحرّك النشاط الحقيقي ومن هنا تنبع أهميته الكبيرة. نشهد منذ فترة سوق ائتمان إسرائيلي والذي يعمل بشكل جيد مع أسعار فائدة مستقرة ومنخفضة. لا تزال معاينة صعوبات التمويل في أوساط المصالح الاقتصاديّة بمختلف الأحجام تشير إلى مستويات منخفضة من الصعوبة مماثلة لتلك التي كانت موجودة قبل الأزمة. أعتقد أننا سنكون قادرين في العام المقبل على مواصلة المساهمة في تحسين وتطوير سوق الائتمان من خلال تعزيز الخدمات المصرفية المفتوحة، والانتقال بين البنوك بكبسة زر، والخطّة الإصلاحيّة في عالم قروض الرهن العقاري وغيرها.

على ضوء ما ذكرته حتى الآن واستناداً إلى بيانات إضافية، أصدر قسم الأبحاث اليوم توقعات محدثة للاقتصاد الكلي. وبحسب التوقعات، من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022 بمعدل 5.5٪. بالإضافة إلى ذلك، نشر القسم لأول مرة توقعات عام 2023 والتي من المتوقع أن ينمو فيها الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 5٪. ومن المتوقع أن يستمر معدل البطالة بالانخفاض ليصل إلى 4.4٪ في نهاية عام 2023. كما من المتوقع أن يتباطأ التضخم ويبلغ 1.6٪ في عام 2022 وأن يستقر في مركز النطاق المستهدف ليبلغ 2٪ بحلول نهاية عام 2023. وبالتطرّق للمخاطر التي تحيط بالتوقعات، فإن الخطر من تطور الموجة الحالية وموجات المرض الأخرى التي ستؤثر بشكل كبير على النشاط لا تزال قائمة ولكنها تضاءلت على ضوء التعديلات التي أجراها الجهاز الاقتصادي منذ اندلاع الأزمة. المخاطر الأخرى القائمة هي عدم اليقين فيما يتعلق بالتضخم خارج البلاد في الفترة القريبة والتطورات في سوق العملة الأجنبية التي قد تؤثر على التضخم في إسرائيل.

بالنسبة للتضخم، هو أقل في إسرائيل مقارنةً بمعظم دولOECD . في الواقع، فانّ التضخم في إسرائيل في أدنى فئة عشرية ضمن دول OECD. يتيح لنا هذا الوضع التحلي بالصبر في إدارة السياسة النقدية مع الاستمرار في فحص وتحليل التطورات المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، فانّ توقعات التضخم للسنة القريبة والسنوات القادمة تقع جميعها ضمن النطاق المستهدف. أريد أن أكون واضحًا، نحن في مكان مختلف عن البلدان التي تعاني من ضغوط تضخمية وهذه ميزة مهمة للاقتصاد الإسرائيلي في الوقت الحالي.

 

وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن هذا الوضع، الذي يعتبر فيه التضخم في إسرائيل منخفضًا مقارنة بالعالم، يميّز السنوات الأخيرة وليس فترة الكورونا فحسب. في السنوات الأخيرة، يمكن التطرّق إلى عدد من العوامل التي أثرت في ذلك: مثل التغييرات الهيكلية في الجهاز الاقتصادي، بعضها بمبادرة من الحكومة، إلى جانب التوسع في عمليات الشراء عبر الإنترنت التي تؤدّي إلى زيادة المنافسة والضغط باتجاه هبوط الأسعار؛ من المحتمل أن تستمر هذه العوامل في المستقبل القريب. بالإضافة إلى ذلك، يتأثر التضخم في إسرائيل، كجهاز اقتصادي صغير ومفتوح، بسعر الصرف وتطور الأسعار العالمية للسلع والطاقة. وفي مجال الأجور أيضًا، من المتوقع أن تساهم الاتفاقية التي توصلت إليها الحكومة مؤخرًا في تخفيف الضغوط لارتفاع الأجور.

وفي أجور الشقق، سجّل ارتفاعًا معتدلا في غالبية الشهور في السنة الماضية، لكن الارتفاع في الفترة الأخيرة كان بوتيرة أعلى. ستكون هناك حاجة إلى متابعة استمراريّة هذا الارتفاع على إثر الارتفاع في أسعار الشقق، والتي لا يتم شملها في مؤشّر الأسعار للمستهلك، علمًا أنّها ارتفعت بمعدّل عالٍ جدًّا في السنة الأخيرة. في هذا المجال، يتوجب على الحكومة توفير حلول لمواصلة زيادة بدء البناء وتوفير اليقين لسوق الإسكان وأن يكون حجم البناء مرتفعًا على مرّ الوقت. 

وبشأن سوق العملة الأجنبيّة، أعود وأكرّر أنّ خطّة ال-30 مليار دولار التي طبّقناها عام 2021 هي خطّة خاصّة لفترات خاصّة. وكما قلت أكثر من مرة، فإننا لسنا مقيدين من حيث التدخل. وسيواصل البنك العمل في سوق العملة الأجنبية حسب الضرورة مع مراعاة النشاط في الجهاز الاقتصادي.

وبالنظر إلى العالم، يبدو أن الاقتصاد العالمي يواصل التعافي وأن حجم التجارة العالمية آخذ في الارتفاع بمستويات عالية من التوسع. ومع ذلك، فإن انتشار سلالة أوميكرون حول العالم يزيد من عدم اليقين والخوف من فرض قيود كبيرة على النشاط الاقتصادي. قد يؤدي تحقّق هذا القلق إلى تباطؤ في عملية الانتعاش العالمي وعلى وجه الخصوص إعاقة رفع القيود عن عمليّات الإنتاج والتوريد العالمية. على الرغم من زيادة عدم اليقين ، فقد تم تسجيل ارتفاع في معظم الأسواق المالية خلال الفترة المستعرضة.

أما بالنسبة للسياسة النقدية العالمية، فمن الواضح أن الانكماش النقدي مستمر بشكل تدريجي في ظل تطور التضخم. في الولايات المتحدة، ترك بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة دون تغيير ولكنه ضاعف وتيرة تقليص خطط الشراء، لذلك من المتوقع أن تنتهي هذه الخطط في آذار. بالإضافة إلى ذلك، قام بتحديث التوقعات لوتيرة ارتفاع أسعار الفائدة باتجاه الأعلى. وفي أوروبا، ترك البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة دون تغيير وأعلن عن انخفاض في المشتريات في الأسواق. في انجلترا، قرر البنك المركزي رفع سعر الفائدة وكذلك الأمر في عدد من البلدان الأخرى التي تجاوز فها التضخم النطاق المستهدف.

كما أوضحت في البداية، الوضع في إسرائيل مختلف، مما يتيح لنا التحلي بالصبر في دراسة التطورات وإدارة السياسة النقدية. لذلك، في نهاية المناقشات، قررت اللجنة النقدية ترك سعر الفائدة دون تغيير. نحن ندرس باستمرار ظروف السوق وتطورات الأسعار، وستستمر السياسة النقدية التوسعية في مرافقة خروج الجهاز الاقتصادي الإسرائيلي من الأزمة الاقتصادية.

أتمنى الصحة والعافية للجميع.​